يتواصل التجاذب بين الحارس الخاص السابق للرئيس الفرنسي، ألكسندر بنعلا، من جهة، وبين قصر الإيليزيه والخارجية من جهة أخرى، وفي كل مرة يفصح بنعلا عن معلومات مربكة حول استمرار تواصله مع الرئيس إيمانويل ماكرون، رغم تسريحه، والذي يقول إنه سأله عن موقفه من السترات الصفراء ومن قضايا أخرى، وتتواصل التضاربات فيما يخص قضية جوازي سفر الدبلوماسيَين اللذين سمحا لبنعلا بالسفر إلى نحو عشر دول أجنبية، وعقد صفقات اقتصادية، رآها البعض تشويشًا على الرئيس. كما يتواصل حراك السترات الصفراء، ولو بوتيرة أقل، وأكثر رمزية.
في ظل هذه الأوضاع، أتى خطاب الرئيس ماكرون، مساء الإثنين، ولم يكن أحد ينتظر أن يتحدث الرئيس في خطاب التهاني إلى الشعب الفرنسي بمناسبة السنة الجديدة، عن إعلانات وإجراءات، كما فعل في العاشر من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، التي كلفت الخزينة أكثر من 10 مليارات يورو، والتي هدف منها إلى وقف حراك السترات الصفراء، المستمر منذ شهر ونصف، تقريبا.
وقد حاول الرئيس أن يبدو في "كامل حيويته"، بعد كل ما قيل عن "الإرهاق" الذي يعاني منه، فألقى خطابه المسجل واقفاً. ثم استعرض الإنجازات التي قامت بها حكومته، ومنها قانون الشغل وإصلاح الشركة الوطنية لسكك الحديد والتعليم، واعداً بالمزيد، خاصة بالنسبة لنظام التقاعد، والرقميات.
وواصل الرئيس ما بدأه في خطابات سابقة متحدثًا بنوع من "التواضع"، معترفاً بأنه أدرك دروس سنة 2018، التي كانت صعبة. ومن دون أن يتلفّظ بكلمتي "السترات الصفراء"، كما هي عادته، تحدّث عن تمزقات عاشتها فرنسا، وعن "الغضب القادم من بعيد"، أي من حكومات وسياسات متعاقبة، أي "الغضب من الظلم" ومن "سوء الإدارة"، وهو "غضب شرعي" يريد "تغيير الأوضاع من أجل أن نعيش بشكل أفضل، ومن أجل التجديد على المستوى الديمقراطي والبيئوي". لكنه يشدد على أنه "لا يجب تجاهل العالم الذي يحيط بنا".
وحرصاً منه على مواصلة الإسهام الفرنسي في الاتحاد الأوروبي، أكد أن لبلده دوراً يلعبه، ورؤية، أي "مشروعًا فرنسيًا وأوروبيًا"، خاصة مع صعود قوى جديدة، ومع بعض الخذلان من طرف بعض الحلفاء، في تلميح إلى مواقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المتكررة، خاصة إعلانه المفاجئ عن انسحاب القوات الأميركية من سورية.
ثم تحدّث عن ثلاث أمنيات للسنة الجديدة، وهي "أمنية الحقيقة"، التي انتقد فيها المعلومات الكاذبة التي تنتشر في شبكات التواصل الاجتماعي. والثانية تتعلق بـ"الكرامة"، أي كرامة المواطن، التي لا تتم إلا بالوصول إلى أفضل تعليم وإلى الشغل، و"لكن هذا الانتقال يستوجب الاحترام وحس المجهود، أي منح كل الحيوية لديمقراطيتنا. ومن البدهيّ أنه يتوجب مواصلة تطوير مؤسساتنا". وحاول الرئيس ماكرون في هذه الأمنية أن يعيد الأمور إلى نصابها، من خلال التشديد على أن "الشعب سيد نفسه"، لكنه "يعبر عن ذلك في الانتخابات، ويختار ممثلين يصنعون القانون"، وانتقد الفوضى التي تعرفها فرنسا مع حراك السترات الصفراء، وأشهر في وجهها "النظام الجمهوري، الذي سيتم ضمانه من دون مجاملة".
وتحدث أخيرًا عن "أمنية الأمل"، "الأمل في المستقبل المشترك، وفي المصير الأوروبي، ووعد بتقديم مشروع في هذا الاتجاه في الأسابيع القادمة".
ومثلما شدّد، قبل أشهر، أثناء فرضه إصلاح الشركة الوطنية لسكك الحديد، متحدثًا عن امتيازات موظفيها، على أنه ينحدر من جدّ كان عاملًا في هذه الشركة، ردّ على حركة السترات الصفراء القادمة من الأرياف ومن المناطق، مذكّرًا إياها بأنه نشأ في الريف. وقال إن "مستقبلنا مرتبط بقدرتنا على أن نحب بعضنا"، وهو ما يستدعي "استعادة وحدتنا"، وأضاف أنه "منهمك في العمل"، وختم: "أومن بنا، وأومن بهذا الأمل الفرنسي والأوروبي".
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الفرنسية تخشى هذه الليلة، ليلة رأس السنة الجديدة، اندلاع أعمال شغب، تستفيد من حركة السترات الصفراء، التي أعلنت عن نيتها التظاهر في جوّ سلمي واحتفالي، مع التذكير بمطالبها الشرعية، والتي وصل بعض أنصارها إلى جادة الشانزليزيه.
وحتى يتمّ ضمان الأمن في فرنسا، مساء اليوم، لمواجهة التحديات الثلاث: الإرهابي، الذي عاد بعد اعتداء ستراسبورغ، وتحدي حركة السترات الصفراء، خاصة تياراتها المتشددة، وتحدي أعمال الشغب والتخريب السنوي في هذه المناسبة، والذي يؤدي إلى إحراق المئات من السيارات، تمت تعبئة 147 ألفًا و935 من قوى الأمن.