ماكرون في إسرائيل: زيارة استعراضية تكشف "محدودية التأثير الدولي" لفرنسا

24 يناير 2020
انتقاد لـ"استعراضية" ماكرون (لودوفيك مارين/فرانس برس)
+ الخط -
توقف مراقبون في فرنسا، عند الفرق بين "غضبتي" الرئيس الأسبق جاك شيراك في التسعينيات، والحالي إيمانويل ماكرون، الذي دخل في مشادة مع شرطة الاحتلال الإسرائيلي، مساء الأربعاء، عند مدخل كنيسة القديسة حنا في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، معتبرين أنّ حركة ماكرون مجرد "استعراض يكشف محدودية التأثير الفرنسي دولياً".

وفيما أثارت غضبة شيراك تعاطف الفلسطينيين مع "زعيم سياسي غربي كان يشدد على ضرورة إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة"، ودفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها واليوم بنيامين نتنياهو إلى الاعتذار العلني للرئيس الفرنسي، سرعان ما أثارت "غضبة ماكرون" جدلاً من حيث تقديم الجانب الفرنسي اعتذاراً للطرف الإسرائيلي أو عدم تقديمه.

والطريف أن كثيرين، وخاصة من الإعلاميين الفرنسيين الذين ينحازون إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي، تأسّفوا لما جرى، مع الاعتراف بأنه "فقاعة لا أكثر، أثَّرت سلباً على اللقاء الدولي لمكافحة معاداة السامية". 

وعلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي، لا حديث إلا عن جملة ماكرون "لا يجب على أحد أن يستفز أحداً"، وعن خطأ مُراسلة فرنسية في الحديث عن لقاء ماكرون بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

فـ"لا شيء جديّاً في الأمر"، باعتراف الرئيس ماكرون نفسه، حين أكد أنّ الموضوع قد أغلق، بعد "لحظة غضب"، ممتدحاً "الدور الرائع" الذي تقوم به قوات الاحتلال.

وسيثلج هذا المديح صدور اللوبي الصهيوني في فرنسا، وخاصة عمدة مدينة نيس كريستيان إستروزي، الذي اعترف بأنه "يستورد تكنولوجيا أمنية إسرائيلية" في مدينته، وقام بزيارات إلى إسرائيل.

بدا الرئيس الفرنسي "عاجزاً" عن التأثير في السياسة الدولية، وهو ما تؤكده المبعوثة الخاصة لموقع "ميديا بارت" إيلين سالفي التي تتبعت زيارة ماكرون، معتبرة أن "ماكرون يقوم بعمل استعراضي حتى يُخفي عجزه".

واعتبرت أنّ وسائل الإعلام تحتفظ بالصورة التي يريد ماكرون أن يُحتَفَظ بها، ومن هنا انزعاجه من تواجد عضوَي "أمن إسرائيليَين" معه في الكنيسة، لكنها تستعرض مواقف ساخرة من طرف معارضي ماكرون في فرنسا، وتشكيك دبلوماسيين حول دور ما خططت له السلطات الإسرائيلية، التي لا يمكن أن تتجاهل ما جرى مع الرئيس الراحل جاك شيراك سنة 1996، خاصة وأن نتنياهو كان حينها رئيساً للحكومة.

وبعد زيارة إلى المسجد الأقصى كانت متزامنة مع الأذان، زار ماكرون حائط البراق (المبكى)، وهو تصرف رفض القيام به رؤساء أميركيون، ما عدا دونالد ترامب، حتى لا يُفسَّر بكونه اعترافاً بيهودية القدس، وبجانبه النائب الفرنسي الذي يُمثل فرنسيي الخارج مايير حبيب. 

وقد انزعج هذا النائب، والصديق الكبير لنتنياهو، من طول الوقت الذي قضاه ماكرون مع الفلسطينيين بقوله: "ساعتان لدى المسلمين".

وبينما كان ماكرون يتجول في النفق الذي يحاذي الحائط، وهو المكان الذي يواصل فيه الإسرائيليون "حفرياتهم الأركيولوجية" تحت الحي الإسلامي، وهي ممارسة أدانها قرار تبنته الأمم المتحدة، في ديسمبر/كانون الأول 2016، كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس "ينتظر بفارغ الصبر" وصول الرئيس الفرنسي.


وتسخر الصحافية من "خطاب الرئيس ماكرون المقعر" حول الديانات التوحيدية الثلاث، بينما "لم يقل شيئاً عن المسار الدبلوماسي".

وهذه المقاربة، كما تقول الصحافية، لا تقتصر على القضية الفلسطينية، بل تشمل كل القضايا، وهي عبارة عن توجيه "ضربات"، مثل دعوة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى مؤتمر بياريتز في قمة مجموعة السبع، أو وضع السجاد الأحمر أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فيرساي، أو "محاولة التذاكي" مع دونالد ترامب، أو خلق شجار حول حلف شمال الأطلسي، أو مواجهة أميركا بخصوص فرض الضريبة على عمالقة الإنترنت، قبل التراجع و"تجميدها".

"كل شيء عبارة عن إجراءات اتصال، لا غير"، و"لأنه لم يَحدُث أي تقدم في أي ملف"، فإن ما جرى في كنيسة القدس، يوم 22 يناير/ كانون الثاني، يندرج، تحديداً، في الآلية نفسها، كما تحلل الصحافية الفرنسية.

وتضيف: "يستطيع الرئيس ماكرون أن يصرخ "أنا رئيس الجمهورية الفرنسية، وأنا من يعرف.."، يمكن تصديق الأمر، خلال دقائق، ولكنه ليس صحيحاً أنّ "صوت وخيارات فرنسا لهما وزن في محفل الأمم"".

وتتساءل سالفي: "لكن كيف يمكن أن يكون لفرنسا صوتٌ حين يحوم الرئيس فقط حول موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أثناء لقائه بالرئيس الإسرائيلي، وحين يتجاهل الموضوع كلية أثناء لقائه بالجالية الفرنسية في إسرائيل، مركزاً حديثه على معاداة السامية "حجر الزاوية" في هذه الزيارة الرئاسية الأولى".

وفي هذا اللقاء ركَّز ماكرون على الذاكرة، مبتعداً، بشكل كبير، عن السياسة، مكرّراً بعض تصريحاته التي أغاظت الكثير، والتي بدأها، في يوليو/ تموز 2017، حين اعتبر أن "معاداة الصهيونية هي الشكل المبتكر لمعاداة السامية"، وهو تصريحٌ تكلَّف النائب عن "الجمهورية إلى الأمام"، المعروف بميوله الصهيونية سيلفان مايار، بتحويله إلى قرار برلماني، صُوِّت عليه يوم 3 ديسمبر/ كانون الأول 2019.

وقد سعد القادة الإسرائيليون بتصريحات الرئيس ماكرون المنتقدة لمعاداة الصهيونية، وخاصة حين صرح بأن "معاداة الصهيونية، حين تتعلق بإنكار وجود إسرائيل كدولة، فهي معاداة للسامية"، ورأى فيها نتنياهو "علامة أمل وفهم"، كما رحَّب بها رئيس المجلس اليهودي الأوروبي.


وعلى رغم تشديد الإيليزيه على أنّ زيارة ماكرون ليست سياسية، وإنما تركّز على موضوع الذاكرة، إلا أنّ الرئيس الفرنسي سرعان ما خرج من تحفظه، حين صرح، من دون لُبس، وفي لحظة تماهٍ مع خطاب نتنياهو، الذي كان منهمكاً في مُهاجَمة "طغاة إيران"، بأنّ فرنسا ملتزمة بأن "لا تمتلك إيران السلاح النووي أبداً".

وفي لقائه بالرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، نفى ماكرون وجود أي اقتراحات لحل قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمكنه وضعها على الطاولة، على غرار "صفقة القرن"، التي يؤجل الرئيس الأميركي ترامب كشفها، لأسباب انتخابية إسرائيلية، ولكنه تجاهل أن البرلمان الفرنسي، بغرفتيه، اعترف قبل سنوات بالدولة الفلسطينية المستقلة، وأنّ لوران فابيوس وزير الخارجية حينها، وهو رئيس المجلس الدستوري حالياً، كان هدَّد، في تغريدة له بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، بأنه في حال تعثر هذه المحاولة الأخيرة، فسيتحمل المسؤولية من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية، و"نحن جاهزون".

ورغم اعتراف السياسيين الفرنسيين بمسؤولية إسرائيل عن إفشال مشروع السلام في المنطقة، إلا أنّ الموقف الرسمي الفرنسي لم يتغير.

لا أحد يعرف ما الذي قاله الرئيس الفرنسي لنظيره الفلسطيني، ولكن المزاج الشعبي الفلسطيني في أغلبيته كان لامبالياً بزيارة ماكرون، وغير عابئ بـ"غضبته"، التي حاول فيها محاكاة "الدكتور" شيراك، قبل 24 سنة، وهو "الدكتور" الراحل الذي يَحمل الفلسطينيون كثيراً من الود والامتنان إليه.

المساهمون