وبمرارة ظاهرة يتحدث محمد لـ"العربي الجديد"، قائلا:"منذ عدّة سنوات وحالة والدتي الصحية تتدهور، فهي تعتمد في علاجها على الأدوية التي نشتريها من السوق السوداء، فهي لا تستطيع تحمل الألم إلّا من خلال العلاج المستمر". ويوضح: "كنّا من قبل نستطيع شراء الأدوية فقد كنّا في منازلنا ومناطقنا ونعمل ونكسب ولدينا موارد مالية جيدة، الأمر الذي تسبب باستقرار الحالة الصحية لوالدتي".
وأضاف "بعد أنّ تم تهجيرنا من مناطقنا ومنعنا من العودة إليها رغم تحريرها، توقفنا عن العمل لمدة ثلاث سنوات، وأصبحت حالتنا المادية يرثى لها، فلا دخل شهريّاً لنا، سوى ما نحصل عليه من بعض الأعمال التي نقوم بها بين فترة وأخرى، كعمال للبناء أو التنظيف وما إلى ذلك من أعمال، لكنّ هذه الأعمال غير مستمرة ودخلها قليل جدا، ولا يكفي لقوت يومنا، ما تسبب بصعوبة حصولنا على الدواء لوالدتي لأنّ ثمنه باهظ".
وأوضح: "راجعنا المراكز الصحية وقمنا بتسجيل والدتي وحصلنا على دفتر للأمراض المزمنة من أجل الاستفادة بحصة دوائية شهرية من وزارة الصحة، وأكملنا الإجراءات الروتينية اللازمة، وانتقلنا إلى صيدلية تابعة للوزارة بأحد المراكز، لكنّ القائمين عليها أبلغونا أنّ هذا الدواء غير متوفر، ولا يوجد في مخازن الوزارة، وعلينا أن نحصل عليه من السوق السوداء، أو من الأرصفة التي تكون أسعارها أقلّ من أسعار الصيدليات".
وتابع "اضطررنا لأخذ الأدوية من الأرصفة كونها أقل سعرا من الصيدليات الرسمية، ورغم استمرارنا بشراء الأدوية، فإنّ حالة والدتي تتدهور بشكل مستمر، ويئسنا من تحسنها، كما طالبنا الطبيب المختص بتغيير علاجها لكنّه رفض".
وأضاف "علم الطبيب أنّنا نشتري الدواء من الأرصفة لرخص ثمنه، وأكد لنا أنه سبب تفاقم حالة والدتي، لفساده وعدم مطابقته للشروط الصحية، وبالتالي علينا أن نشتريه من الصيدليات الرسمية، رغم ارتفاع أسعاره".
وتنتشر في بغداد وجميع محافظات العراق الصيدليات الوهمية، أو ما تُعرف بأرصفة الأدوية التي تباع بها الأدوية على الرصيف بأسعار زهيدة، وتتعرض هذه الأدوية لتقلبات الجو ولا تُحفظ بشروط صحية ملائمة، والذين يبيعونها لا يمتلكون الخبرة ولا إجازة ممارسة المهنة.
وينتقد الدكتور، بسّام الراوي، "تجاهل وزارة الصحة لبيع الأدوية في الشوارع وعلى الأرصفة، وعدم محاسبة بائعيها". ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأدوية التي تباع على الأرصفة مخالفة للشروط الصحية، وبعضها منتهية الصلاحية، كما تسببت بحالات وفاة العديد من المواطنين، الأمر الذي يحتاج إلى رقابة صحية من قبل وزارة الصحة".
وأكد أنّ "المواطن يلجأ لتلك الأدوية لرخص ثمنها لكنها قد تكلفه حياته، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الأدوية في الصيدليات، وعدم توفير وزارة الصحة لها في المستشفيات ولا المستوصفات الصحية"، مشدّدا على أنّ "من واجب الوزارة أن توفر الأدوية وخاصة للأمراض المزمنة وبأسعار مدعومة، كما كان ذلك الإجراء متبعا خلال سنوات الحصار".
وحمّل "وزارة الصحة المسؤولية الكاملة عمّا يجري من استهانة بأرواح المواطنين، من خلال تجرعهم السموم من أدوية الأرصفة المهرّبة من المستشفيات والمراكز الصحية".
وسجّلت عشرات من حالات الوفاة لدى المواطنين، ممّن كانوا يعتمدون بعلاجهم على أدوية الأرصفة، بينما لم تتخذ الوزارة أي إجراء بحق بائعيها. وأكد موظف في المخازن الرئيسية لأدوية وزارة الصحة، أنّ "المخازن التابعة للوزارة فيها أنواع من الأدوية وبكميات كبيرة جدا، وصل أغلبها من المساعدات التي تقدمها بعض الدول والمنظمات الدولية للعراق".
وأوضح الموظف، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "هذه المخازن تسيطر عليها مافيات الوزارة، وهي جهات تابعة لأحزاب السلطة، تعقد صفقات كبيرة لتهريب هذه الأدوية، وبيعها للسوق السوداء"، مؤكدا أنّ "الكثير من المذاخر الكبيرة في البلاد تمول من قبل هذه المافيات ومن أدوية الوزارة".
وأكد أنّ "كميات الأدوية الكبيرة لو يتم توزيعها بشكل صحيح على المراكز الصحية، لانتفت حاجة آلاف المرضى للسوق السوداء، ولأسهم ذلك بخفض أسعارها في الصيدليات".
وأشار إلى أنّ "تلك المافيات فوق سلطة الدولة، ولا أحد يستطيع محاسبتها، الأمر الذي جعلها تتحكم بمصائر وأرواح العراقيين".
بدوره، أكد عضو نقابة الصيادلة العراقيين، فراس الحياني، أنّ "أغلب الأدوية التي تباع في الصيدليات هي أدوية تجارية، تستورد من قبل التجار، وأنّ وزارة الصحة لا توفرها، وهذا هو السبب وراء ارتفاع أسعارها".
وقال الحياني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "وزارة الصحة العراقية تجهز الصيدليات بحصة قليلة جدّا، وهي لا تكفي حاجة المواطنين، الأمر الذي يجبر الصيادلة على اعتماد أدوية التجار باهظة الثمن لتوفيرها للمواطنين"، محملا وزارة الصحة "مسؤولية كل ذلك الخلل في واجبها، وخاصة مسؤولية الفساد المستشري في دوائرها والذي تسبب بتهريب الأدوية الى باعة الأرصفة".
وينتشر في بغداد والمحافظات العراقية الأخرى بيع الأدوية على الأرصفة، ويجد المواطنون على تلك الأرصفة كافة أنواع الأدوية حتى المفقودة من السوق، وتباع في ظروف غير ملائمة، بينما تتجاهل وزارة الصحة ذلك، ولم تتخذ أي إجراء بحق الباعة، في وقت تعلم فيه أنّ تلك الأدوية تسببت بحالات وفاة عديدة.