ماسحو أحذية في مطار هيثرو

10 فبراير 2016
"والدي كان شخصاً طيباً" (Getty)
+ الخط -
مهنة مسح الأحذية، التي كان يُنظر إلى صاحبها باحتقار في الماضي، يبدو أنّها لم تعد كذلك في العاصمة البريطانية لندن. بيد أنّ ما يثير الدهشة تواجد عدد من ماسحي الأحذية في مطار هيثرو، أحد أهم مطارات العالم.

يجلس ثلاثة منهم وسط السوق الحرّة. يضعون معدّاتهم إلى جانبهم. أحدهم ينهمك بمسح حذاء رجل، والآخران يتحدّثان إلى بعضهما بعضاً أو إلى المارّة.

تقول لينا، (39 عاماً)، لـ "العربي الجديد"، إنّها ما زالت تذكر جدّها، الذي كان يستيقظ في الصباح الباكر ويذهب مشياً غير مبال ببرد الشتاء أو حرارة الصيف، ليمارس مهنته في مسح الأحذية طوال النهار. تقول إنّ جدّها كان كريماً واهتمّ بتربية عائلته المكوّنة من خمسة أشخاص. وتضيف أنّها على الرغم من حبّها لجدّها، كانت في مراهقتها تخجل من المرور إلى جانبه وتحاول تجنّب تلك المنطقة، كي لا تضطرّ إلى إلقاء التحيّة عليه، خصوصاً حين تكون مع صديقاتها اللواتي كنّ يسخرن من أصحاب تلك المهنة. تقول لينا إنّها ما زالت تذكر المكان، الذي كان يجلس فيه جدها في زاوية سوق المدينة في إحدى الدول العربية، وأمامه صندوقه الخشبي، وقد انحنى بوجهه صوب حذاء رجل مدّ قدمه نحوه. كانت تبغض ذلك الزبون وكلّ زبون، وتعتقد أنّهم يحتقرون جدّها. لكنّهم في الواقع كانوا مصدر رزقه، كما كانوا يحبّونه ويأتون إليه لتعاطفهم معه.

تبدي لينا حزنها: "عندما توفيّ جدّي، افتقدته في تلك الزاوية.. بتّ أراها موحشة كئيبة، كما تمنيّت لو يعود لأضمّه أمام الملأ، لأنّني أخجل اليوم من خجلي بمهنته سابقاً".

من جهتها، تقول سمر لـ "العربي الجديد"، إنّ والدها عمل في مهنة مسح الأحذية، لكنّها كانت تشعر بنظرات الاحتقار، التي يوجّهها إليها كلّ من حولها حين يعرف مهنته. وتضيف: "والدي كان شخصاً طيباً. لكنّني حاولت أن أكمل دراستي للحصول على وظيفة جيدة لتعويض تلك النظرات التي كانت تمزّقني من الداخل، خصوصاً حين تخلّى عني حبيبي بسهولة بسبب مهنة والدي". لا تلوم حبيبها فهي تعرف أنّها نظرة المجتمعات العربية ككلّ إلى هذه المهنة وغيرها.

في المقابل، يبدو ماسحو الأحذية الثلاثة في مطار هيثرو، وهم تابعون لشركة تستحوذ على هذا القطاع، فخورين بعملهم. كذلك، لا ينظر إليهم الناس بعين الازدراء أو الاستغراب، بل إنّ بعضهم يمازحهم.

تبقى الإشارة إلى أنّ تسعيرة تلميع الحذاء في مطار هيثرو، للرجال أو النساء، هي 8 جنيهات إسترلينية (11.60 دولاراً أميركياً).

اقرأ أيضاً: الحكومة البريطانيّة تزيد أعباء الفقراء
دلالات