من حسن حظ الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، أن اليمين التقليدي ممزق، ولا يزال منذ هزيمته في الانتخابات الرئاسية يبحث عن زعيم، وتخترقه صراعات شخصية ومالية وأحقاد وصلت بعض فصولها إلى القضاء.
ولهذا السبب، وعلى الرغم من انخفاض شعبية الرئيس الفرنسي، إذ إن أقل من 15 في المائة من الفرنسيين راضون عن سياسته، إلا أنه يستطيع بسهولة أن يمرّر قراراته اليمينية، بفضل رئيس الحكومة الليبرالي، مانويل فالس، الذي جدّد وفاءه المطلق للرئيس ولسياسته، والذي يواصل ضرباته لرفاقه من يسار الحزب، وهو ما يصبّ في مصلحة هولاند الذي لن يخشى من منافسته سنة 2017، بعد أن يكون فالس قد أحرق أوراقه كاملة.
ولكن صحيفة "لوكنار أونشينيه"، كشفت في عددها الأخير، عن بداية تصدّع في العلاقة بين الرجلين، بعد الحوار الجريء الذي أجراه فالس مع مجلة "لونوفيل أوبسرفاتور"، الذي دافع فيه عن فكرة تغيير الحزب لاسمه، وعن رؤيته الليبرالية، على الرغم من تأكيد فالس أن هولاند قرأ الحوار قبل صدوره وأجازه.
وإذا كانت الطبقة السياسية، في هذا الزمن، لا تستطيع أن تعيش من دون استطلاعات الرأي، فإن كل استطلاع جديد يتم تحليله بعناية وتُتخذ على ضوئه قرارات، تكون أحياناً مؤلمة، وهو السبب الذي جعل هولاند يتخلى عن رئيس الحكومة السابق، جان مارك أيرولت، أي بسبب انخفاض شعبيته.
ومع استعداد الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، ورئيس بلدية بوردو، ألان جوبيه، لمعارك "هوميرية"، تفصل بينهما لقيادة حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبيّة"، ستكون كل الأسلحة فيها مباحة، على شاكلة معارك الرئيس السابق، جاك شيراك، ورئيس الحكومة السابق، إدوارد بالادير، من قبل، فإن هذا الأمر سيصب، نظرياً على الأقل، في مصلحة هولاند، لجهة استنزاف طاقات اليمين وخلق ضغائن وأحقاد لن تندمل بسرعة، وهو ما سيخفّف من دورهما في قيادة معارضةٍ فعّالة للرئيس الفرنسي ولسياساته، لكن يبدو أن اليمين المتطرف اضطلع بهذا الدور وبهذه المسؤولية.
وقد جاء استطلاع "إيفوب"، الذي نشرته صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، يوم الأحد 2 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، والذي أجري في الفترة ما بين 30 و31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ليؤكد تربّع رئيسة حزب "الجبهة الوطنية" المتطرف، مارين لوبين، على عرش المعارضة لهولاند وسياساته، وليجعل الزعماء الآخرين، يميناً ويساراً، يلهثون بعيداً وراءها.
وبحسب الاستطلاع، يرى 60 في المائة من الفرنسيين أن لوبين هي السياسية اليمينية التي تمثّل معارضة قوية لهولاند، إن في أقوالها أو أفعالها، يليها وبعيداً، ساركوزي بنسبة 21 في المائة، ثم رئيس الوزراء السابق، آلان جوبيه بنسبة 8 في المائة، ورئيس الحكومة السابق، فرانسوا فيون، بنسبة 4 في المائة.
ويُظهر الاستطلاع نفسه أن جان لوك ميلونشون، هو الشخصية اليسارية التي تمثّل المعارض الأشرس لرئيس الجمهورية، بنسبة 41 في المائة، في حين تأتي القيادية الاشتراكية مارتين أوبري ثانية، بنسبة 22 في المائة، ثم الوزير السابق أرنو مونتبورغ ثالثاً بنسبة 14 في المائة، ورابعاً الزعيمة البيئوية، سيسيل دوفلو، بنسبة 12 في المائة، وأخيراً الوزير، بونوا هامون، بنسبة 5 في المائة.
ويكشف هذا الاستطلاع أن الفرنسيين لا يمنحون مصداقية كبيرة لليمين التقليدي، خصوصاً وأنه تناوب مع الاشتراكيين، خلال عقود، على حكم فرنسا وتحديد مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي وإيصالها إلى هذه الحالة الصعبة. كما أنهم لا يأملون كثيراً من شخصيات يسارية، من داخل الحزب أو من خارجه، لا تزال ملتبسة وتنقصها جرأة الحسم.
ويعزّز هذا الاستطلاع، الذي لا يتناقض مع انتصارات حزب "الجبهة الوطنية" الانتخابية الأخيرة، من فكرة انتشار أفكار وأطروحات اليمين المتطرف، بين فئات متذمرة من ترهل الأحزاب التقليدية وانتشار الفساد فيها.
وهو ما دفع لوبين إلى قراءة نتائج الاستطلاع بأنها دعوة من الشعب الفرنسي إلى هولاند إلى حلّ البرلمان، بعد أن رفضت سياساته الفاشلة.
ولم تفوّت فرصة انتقاد الهجرة، عدوتها اللدود، ولا أن تطرح نفسها في موضع الدفاع عن الأمّة في مواجهة العولمة والإسلاموية. كما انتقدت تدخل أوروبا في الشأن الفرنسي وسخرت من الصراعات الداخلية التي تنخر الحزب "الاشتراكي" وحزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، معتبرة إياها "منافسات أوروبية، لتحديد من الذي سيمثل الاتحاد الأوروبي في رئاسيات فرنسا. وهم لا يختلفون في الرأي".
ولم يفت المراقبون لسياسات هذا الحزب المتطرف الصاعد، أن يلحظوا قرار الحزب بعدم فصل عضوه الذي اعتنق الإسلام، ماكسينس بوتي، ورأوا فيه دليلاً على أن لوبين أصبحت بالغة البراغماتية، وإلا أين ستذهب أعدادٌ كبيرة من ناخبين فقدوا ثقتهم في يمين صهيوني يكشف عن أنيابه كل يوم، عبر صحيفة "لوفيغارو"، وفي نخبة اشتراكية حاكمة خانت فلسطين وغزة، وأعلنت عشقها إسرائيل ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو؟