فلسطينية في تشيلي... مارلين البندك تصرّ على تعليم أطفال الوطن

13 ديسمبر 2019
النشاط واجب من أجل أمثالها (العربي الجديد)
+ الخط -
قبل 23 عاماً، فُجعت مارلين بركة البندك، فلسطينيّة تشيليّة، بوفاة ابنها كريم منصور في حادثة سقوط طائرة كانت متّجهة إلى بيرو في أكتوبر/ تشرين الأوّل 1996. حينها، كان يبلغ من العمر 25 عاماً فحسب. ومذ ذلك الحين، راحت تتحايل على ألمها، فأنشأت مؤسسة خيرية في تشيلي تعنى بـتعليم الأطفال واليافعين في فلسطين، مسقط رأسها، من منطلق "نقدّم لهم المساعدة حتى يساعدوا أنفسهم".

تحبس مارلين دموعها عند سؤالها عن قصّتها كأمّ ثكلى. ومن مقرّ إقامتها في العاصمة التشيلية سانتياغو، تطلب عدم الخوض في ذلك، مفضّلة التحدّث عن هجرتها وهي يافعة في السادسة عشرة من عمرها. تخبر: "تمّ تزويجي في بيت لحم (الضفة الغربية المحتلة) بطريقة تقليدية من رينيه منصور المولود في تشيلي فيما تعود جذوره إلى بيت جالا (شمال غرب بيت لحم).

هو لم يكن يعرف كلمة عربية واحدة. وعندما انتقلت إلى هنا، وجدت نفسي فجأة في مجتمع لا أعرف لغته ولا ناسه". لكنّ مارلين التي تحفّظت عن تناول تجربتها القاسية كأمّ مفجوعة، عادت لتقول في سياق الحديث: "لقد دعمت ابني في كلّ خياراته الشخصية. وهو، قبل رحيله، أراد التحوّل من المسيحية إلى الإسلام، ولم يكن لديّ أيّ مشكلة. هو اختار ذلك وأنا احترمت رغبته".

تضيف أنّه "كان يتابع دراسته وانخرط في حياة السكان الأصليين، وكان مفعماً بالحيوية ويحبّ مساعدة الناس وفهم الثقافات الأخرى. كذلك كان يعشق فلسطين بطريقة لا نجدها عند كبار السنّ الذي يُعدّون أكثر ارتباطاً بالوطن".
مازالت مارلين تحمل هموم الوطن (العربي الجديد)


في بداية اغترابها، كانت مارلين تتواصل مع زوجها بالإشارة وببعض كلمات إنكليزية. وتشير إلى أنّه كان يعمل في تجارة الأقمشة وخياطة الملابس، شأنه شأن معظم الذين هاجروا إلى أميركا اللاتينية من فلسطين. فهؤلاء المهاجرون أورثوا ذلك إلى أبنائهم. وتتابع: "عملت معه في أحد متاجره، فصرت أتواصل مع الزبائن، فيما كنت أتعلّم اللغة الإسبانية (لغة البلاد الرسمية) بطريقتي. ثمّ رحت أسافر إلى الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا لإحضار آخر التصميمات". لكنّ العمل "لم يشغلني عمّن تركتهم خلفي في فلسطين، فانخرطت (قبل نحو 40 عاماً) في نشاطات فلسطينية في تشيلي، خصوصاً في المجموعات النسائية. بالنسبة إلينا، كانت الكنيسة كما المقتدرون الفلسطينيون قادرين على الالتفات إلى فقراء فلسطين وفئاتها الهشّة، خصوصا الأيتام. وكان الهدف تحديداً المساعدة من خلال التأهيل العلمي وتمكين أشخاص معيّنين حتى يساندوا آخرين على الثبات في أرضهم".

تمسّك باللغة العربية

ما زالت مارلين متمكّنة من اللغة العربية، بخلاف نساء أخريات ولدنَ ونشأنَ في تشيلي، بعضهنّ في السبعين من عمرهنّ ولد آباؤهنّ وأجدادهنّ في الغربة. ولعلّ اللغة العربية هي التي ساعدتها أكثر في فهم الواقع الفلسطيني على الأرض إلى جانب حماستها المميّزة وتفكيرها الدائم بطموحات ابنها كريم.

ومارلين من الذين يصرّون على العمل المنظم، فتشرح أنّه "بدلاً من التبنّي الفردي لحالات وبطريقة عشوائية، خطرت لي فكرة في خلال اجتماعنا بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس/ آذار 2011 تقضي بإنشاء جمعية نسائية فلسطينية، أطلقنا عليها اسم جمعية المرأة الفلسطينية في سانتياغو، على أن تضم نساء تشيليات من صديقات فلسطين إلى جانب فلسطينيات في الوطن".

وبعد تسجيل مؤسستهنّ، راحت مارلين ورفيقاتها يستقبلنَ "طروداً بريدية من فلسطين لأشغال يدوية تعدّها نساء في مدن الضفة الغربية ومخيماتها بهدف عرضها في مزاد علني بهدف جمع المال الكافي لدعم عائلات تلك النساء. ثمّ رحنا نزور الضفة مرّتَين سنوياً، لتثبيت ما نقوم به والبقاء على تواصل مع فلسطينيين هناك". وتلفت مارلين إلى أنّه "بعد زيارات متكررة لهؤلاء الفلسطينيين الذين يعانون معيشياً، أدركنا أنّ الوضع الاقتصادي السيّئ يدفع كثيرين إلى التفكير بالهجرة. من لا يستطيع استكمال تعليمه لن يتمكّن من الصمود في أرضه. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأسر غير القادرة على تحمّل أعباء الحياة. بالتالي كان إصرارنا أكبر على المساهمة بطريقة ما في تشجيع الناس وتمكينهم للبقاء في الوطن، وتعزيز قدراتهم حتى يساعدوا أنفسهم مستقبلاً".

اجتماع جمعية المرأة الفلسطينية في سانتياغو تشيلي (العربي الجديد)


بمساعدة فلسطينيين في الوطن، هما خليل لحام وصالح البندك، تمكّنت جمعية المرأة الفلسطينية من "تعليم 42 تلميذاً، ومع تطوّر الحال وصل العدد إلى 120 طفلاً. وهؤلاء يتبنّى المقتدرون تعليمهم في الضفة الغربية، سواء في المخيمات أو في المدن والقرى. وقد احتفلنا أخيراً بتخرّج ثمانية فلسطينيين". وتشرح أنّ "فكرتنا تقوم على مساندة الخرّيجين مواطنين آخرين لاستكمال تعليمهم، إلى جانب تأمين علاج للأكثر حرماناً"، مضيفة أنّ ذلك لم يكن ممكناً لولا "دعم نساء من أصول عربية في تشيلي وزوجات دبلوماسيين عرب".

أبناء الجاليات معنيون كذلك

لا تشعر مارلين بأنّ ما تقوم به كافٍ، كما هي الحال بالنسبة إلى نساء أخريات ينشطنَ في تشيلي على مستوى الجاليات، فتأمل "ألا يبقى عملنا مقتصراً على دعم الفلسطينيين في فلسطين. نحن كذلك في حاجة ماسّة هنا إلى اهتمام، لذا لا بدّ من أن تلتفت بعض المؤسسات العربية المقتدرة إلى أبناء الجاليات في أميركا اللاتينية، خصوصاً لجهة تعليم اللغة والثقافة العربيتَين، حتى لا تضيع هوية مزيد من الأجيال فنخسرها".




وتؤكد مارلين أنّ "إنشاء مؤسسات تعليمية تُعنى باللغة العربية في أميركا اللاتينية يُعَدّ استثماراً في إمكانيات كبيرة موجودة بين مئات آلاف العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً الذين تنقصهم فقط الرعاية"، لافتة إلى "حماسة هؤلاء لهويّتهم العربية بخلاف أجيال سابقة اهتمّت أكثر بالتجارة". وتكمل مارلين أنّ "من شأن ذلك أيضاً أن يمنح آمالاً لطلاب يرغبون في استكمال تعليمهم وهم غير قادرين مادياً، سواءً في فلسطين أو خارجها"، مشدّدة على "أهمية التواصل المنظّم بين مقتدرين فلسطينيين في الوطن ومؤسسات في خارجه".