ماذا ينتظر المغرب من انتخابات تونس؟

27 أكتوبر 2014

رئيسا حكومتي المغرب وتونس في اجتماعهما في الرباط (فبراير/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

في الظاهر، يبدو أن المغرب غير معني بالانتخابات التشريعية التي تشهدها تونس، فلا حضور كبيراً لأخبار هذه الاستحقاقات في وسائل الإعلام المغربية، الرسمية والخاصة. لكن، هل الأمر هو كذلك عند السلطة والنخب الحزبية والسياسية؟

بالنسبة للسلطة في المغرب، والتي يختزلها مفهوم "المخزن"، الذي يرمز إلى السلطة المركزية ممثلة في القصر، ما يحدث في تونس من تطورات وأحداث سياسية كان دائماً يشد اهتمامها. وغالباً ما يتم النظر إلى تونس، على اعتبار أنها مختبر صغير للتجارب التي يمكن نقلها إلى المغرب.

في عهد الرئيس الهارب زين العابدين بن علي، كانت مقاربته الأمنية في إدارة شؤون تونس تغري أكثر من نظام استبدادي في المنطقة العربية، وفي المغرب، كانت الصحافة المستقلة تتحدث عن انتقال عدوى "البنعلية"، أي السلطة التي تحتكر السياسة والمال، وتعتمد مقاربة أمنية، إلى المغرب. ومثل جميع دول المنطقة، تأثر المغرب برياح الثورة التونسية التي هبت رياحها غرباً، حتى تجاوزت جبال الأطلس المغربية.

حتى قبيل إجراء انتخابات 2011 في المغرب، كان السيناريو الذي وضعته السلطة تشكيل تحالف من الأحزاب الموالية لها، للوقوف ضد مد الإسلاميين، الطاغي آنذاك، من تونس إلى مصر، لكن فوز حركة النهضة في تونس في العام نفسه، وبشكل كاسح، جعل صانع القرار المغربي يتراجع عن "خططه"، ويفسح الطريق لمرور الإسلاميين المغاربة، ليتبوأوا الصف الأول في تلك الانتخابات، ويشكلوا أول حكومةٍ يقودها إسلاميون في تاريخ المغرب.

حاولت السلطة في المغرب أن تجاري "الموضة" آنذاك، والتي حملت الإسلاميين، في أكثر من دولة من دول الربيع العربي، إلى الحكم، ليقال بعد ذلك إن "المغرب أنجز ثورته الهادئة"! ولم تنتظر حتى تنتكس، أو تفشل، تجارب حكم الإسلاميين في مصر وتونس، لتعلن نهاية تجربة الإسلاميين في قيادة حكومة المغرب، فقد سعت، منذ البداية، إلى التحكم فيها، من خلال الصلاحيات الواسعة التي مازال الدستور يمنحها للملك في إدارة الجهاز التنفيذي وتوجيهه، ومن خلال التحالف الهجين المكون لها وأغلب أحزابه من المحسوبة على القصر. وأخيراً، من خلال "وزراء السيادة" الذين يعيّنهم الملك مباشرة من دون الرجوع إلى رئيس الحكومة.

لقد سعت السلطة في المغرب إلى تأجيل الانتخابات المحلية التي كانت مقررة عام 2012، خوفاً من اكتساح الإسلاميين، ومن المتوقع أن تُنظَّم العام المقبل. لذلك، ستحمل نتائج الانتخابات التونسية أكثر من مؤشر على ما يمكن توقع حدوثه في المغرب، خصوصاً فيما يتعلق بأداء حزب النهضة ومنافسه الكبير حزب نداء تونس الذي لا يختلف مسار تشكله ونموه عن حزب الأصالة والمعاصرة في المغرب، والذي أسسه صديق ومستشار للملك محمد السادس، بهدف مواجهة الإسلاميين.

من جهتهم، يتابع إسلاميو المغرب، خصوصاً حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، بترقب وحذر كبيرَين انتخابات تونس، فكل انتكاسة لحزب النهضة في هذه الاستحقاقات ستكون بالنسبة إليهم نذير شؤم. وفي المقابل، إن أي تقدم لحزب نداء تونس ستنزل أخباره برداً وسلاماً على السلطة، وأحزابها في المغرب، الساعين إلى وضع حد لمد الإسلاميين المغاربة.

على مستوى النخب السياسية والقوى الديمقراطية التي تمثلها أحزاب يسارية، ومنظمات حقوقية، والإسلاميون المعتدلون المعارضون للسلطة، فإن ما يهمهم في انتخابات تونس هو أداء الصف الديمقراطي داخلها، والتحالفات المستقبلية التي سيبنيها ممثلو هذا الصف. فالنخب السياسية والمثقفة المغربية كانت تنظر دائماً بتقدير كبير للتوافقات التي بناها التونسيون فيما بينهم، خصوصاً بين الإسلاميين واليساريين العلمانيين.

نجحت ثورة تونس في أن تلهم شباب المنطقة العربية، من المنامة حتى الرباط، وما سيقرره الشعب التونسي في استحقاق الانتخابات سيكون له صدى كبير في المنطقة، ولن يشكل المغرب "استثناءً" في التأثر بما سيرسم مسار آخر ثورات الربيع العربي، وفي مهد هذه الثورات. ولا غرابة في أن الشعب التونسي الذي أطلق شرارة ثورة "الربيع العربي" هو الذي سيقرر، مرة أخرى، في مآلها ومستقبلها.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).