ماذا يريد النظام؟

06 نوفمبر 2014
+ الخط -

دائماً ما تتم الكتابة، ويتحدث الجميع حول ما يريده الشعب من النظام. ولكن، هل سألنا أنفسنا وماذا يريد النظام من الشعب؟ فكما هناك مطالب للشعب، هناك، أيضاً، مطالب للنظام يريدها من الشعب. كي نعرف ما يريده النظام، من الطبيعي التعرّف على الخلفية الحياتية والثقافية للنظام. وباعتبار النظام الحاكم في مصر عسكرياً، فمن الواجب أن نبحث قليلاً في الجانب الفكري للحياة العسكرية.

تبدأ معرفة المواطن بالحياة العسكرية من خلال الـ45 يوم، ولمَن لا يعرف، فالمقصود الـ45 يوماً الأولى في حياة المجند (التجنيد الإجباري)، أو الطالب المستجد في الكليات العسكرية، وهي فترة من أعجب وأغرب الفترات التي تمر بالمواطن، فمع بدايتها، يتم منع الإجازات والزيارات وعزل المجند أو الطالب تماماً عن الحياة المدنية، وكأنما هي نجس أو رجس من عمل الشيطان، عليه أن يتطهّر منه قبل الدخول إلى الحياة العسكرية. وتبدأ التدريبات ويفاجأ المجند والطالب المستجد بأمور لا يستطيع فهمها أو معرفة لماذا تتم. فما معنى طابور الثبات مثلاً؟ هكذا يسأل المجند نفسه، ما معنى أن يقف ثابتاً لا يتحرك مدة لا تقل عن 45 دقيقة، ولا يسمع سوى الجملة الخالدة من شاويش الطابور: "لو حنش (ثعبان) اتلفّ على رقبتك، متتحركش.. لو أخوك واقف جنبك ووقع متلحقوش" (هذا الطابور ليس عقابياً لمَن أخطأ، أو أذنب، ولكنه طابور تدريبي)، وتبلغ المعاناة ذروتها عندما تقف ذبابة على أنفه، فيبدأ تمارين قبض الشفة العليا للداخل، ودفع السفلى إلى الأمام، والنفخ يميناً ويساراً، لتطير الذبابة، ولكنها تعود مرة أخرى، وهو لا يدري لماذا يفعل ذلك، ولماذا يقف ثابتاً كالحجر لا يتحرك؟ وفي داخل "الميس" (صالة الطعام)، حين يصرخ شاويش الميس: "ثابت"، فيتوقف الجميع عن الحركة، مَن بيده ملعقة يعود بها إلى صحنه، ومَن في فمه طعام يبلعه من دون أن يمضغه، وأيضاً، لا يفهم لماذا؟ وإذا تفضّل أحد، فالإجابة النموذجية: "علشان تنشفوا وتبقوا رجالة"، ولا يفهم المجند والطالب ما العلاقة بين الرجولة والوقوف ثابتاً: لا تنقذ زميلك إذا وقع! ولا بين الرجولة وبلع الطعام من دون مضغه، تنفيذاً لأمر الثبات!

بعدما تقدم بي العمر، جمعتني مناسبة مع أحد كبار ضباط التدريب في القوات المسلحة، وسألته عن فترة الـ45 يوماً، وما يحدث فيها ولماذا؟ وأجاب ببساطة شديدة: كي يتعودوا إطاعة الأوامر. فقلت: ألا توجد طريقة أخرى لتعودهم طاعة الأمر؟

فرد: مثل ماذا؟      

قلت: الاقتناع. أن تقنعه بالفعل، قبل أن تطلب منه تنفيذه.

وهنا، ضحك بسخريةٍ، أشعرتني بالحرج: نحن نعد المجند للحرب، وفي الحرب لا وقت للإقناع.

فأجبته: يا عزيزي فعلاً في الحرب لا وقت للإقناع، لأنك، أصلاً، لست في حاجة إليه، فالمجند يذهب إلى الحرب، ليقاتل عدوه الذي اعتدى على أرضه، واغتصبها، فهو في حال اقتناع حقيقي بما يفعل، ولا حاجة لإقناع جديد.. وأكملت: أعتقد أنك تعوّده على الطاعة، لا ليقاتل العدو، ولكن، ليضرب الصديق.

فشعر هو بالحرج، وغضب قائلاً: ماذا تعني؟ أجبته: أنت تعوّده الطاعة، مثلاً، ليطلق النار على المتظاهرين، وبينهم زميله وصديق عمره من دون أن يسأل لماذا؟ ليلقي القبض على جاره وقريبه، من دون أن يعرف السبب. من أجل هذا، تعوّده على الطاعة.. سكت الضابط وانصرفت أنا. ما يتم، الآن، مع الشعب هو، تماماً، ما يتم مع المجند والطالب المستجد، الهدف منه أن يتعوّد الشعب، تماماً، على طاعة الأمر من دون سؤال أو تفكير. ولكن، لماذا؟ لماذا مطلوب من الشعب أن ينفّذ من دون أن يسأل، أو يفهم؟ ويزداد السؤال جزءاً ثانياً، فإذا كان المجند يحتاج 45 يوماً للتعوّد على ذلك، فكم سيحتاج الشعب؟ 45 أسبوعاً أم 45 عاماً؟

795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
محمد لطفي (مصر)
محمد لطفي (مصر)