03 سبتمبر 2020
ماذا يريد الإليزيه من السرايا الحمراء؟ (1/3)
تعتبر العلاقة بين باريس وطرابلس غامضة ومليئة بالتعقيدات، وتتغير هذه العلاقة، حيث تتوطد وتفتر وتعيش حالات استقطاب وفقاً لسياسات البلدين والوضع الاقتصادي والإقليمي لفرنسا.
وإذا عدنا بصفحات الزمن إلى الخلف فإننا سنجد أن ليبيا الشاطئ الرابع لإيطاليا بحسب تصور الفاشية الإيطالية، لم تكن هدفاً لفرنسا، التي احتلت تونس والجزائر وتشاد ومالي والنيجر ولكنها لم تحتل ليبيا، رغم أنه قبل استقلال هذا البلد لم يسمَّ ليبيا، إنما بأقاليمه الثلاث (برقة وطرابلس وفزان).
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما نتج عن اجتماع يالطا بين زعماء العالم آنذاك، اختارت بريطانيا الوصاية على برقة بوابة مصر الغربية، والولايات المتحدة فرضت وصايتها على طرابلس، بينما اختارت فرنسا إدارة إقليم فزان، نظراً لما يمتلكه من تشابك علاقات وحدود مع دول طوق الصحراء الكبرى، والتي تمتلك فرنسا نفوذاً فيها مثل تشاد والنيجر ومالي وحتى الجزائر.
وبعد استقلال ليبيا وتنصيب الملك إدريس السنوسي (المقرب لقصر بكنغهام) حاكماً على ليبيا، تناقص الدور الفرنسي في ليبيا، وتنامى الدور البريطاني وتوج بزيارة شهيرة للملكة إليزابيث الثانية لطرابلس، لكن سرعان ما انتهى الحلم البريطاني، فالقذافي في 1969 ينقلب على الملك وينفيه ويسقط الملكية ويقود البلاد، جاعلا من ليبيا بؤرة توتر حقيقية، في بلاد تعوم على برك نفطية لا تعد ولا تحصى.
نظرياً مثل القذافي الفكر الجمهوري المقرب لفرنسا، لكنه عملياً ورغم ادعاء العداء لها، كان حليفاً للولايات المتحدة، ويسير مراقبون إلى القول إن انقلاب القذافي كان بدعم أميركي للقضاء على النفوذ البريطاني في المنطقة، ولتفعيل مبدأ روزفلت بالسيطرة على منابع النفط في العالم.
لكن القذافي بخلطة قومية اشتراكية حقق توازناً بين حليفه عبد الناصر السوفييتي الهوى والمعادي للإمبريالية، وبين علاقته بالأميركان الذين كانوا يعملون في قطاع النفط وحدهم تقريباً، أيضاً كان القذافي يعرف من أين تؤكل الكتف ولو لحين، فانفتح على فرنسا واشترى منها 50 طائرة ميراج خسرها كلها تقريباً في حربه ضد تشاد لاحقاً، كما أن العقيد الشاب زار فرنسا في عهد الرئيس جورج بومبيدو واستقبل في فرنسا استقبالاً حافلاً.
وحتى عام 1978 بقيت العلاقات الليبية الفرنسية وطيدةً، ولم يعكر صفوها سوى إعلان القذافي الحرب على تشاد بغرض ضم اقليم أوزو، وهو ما اعترضت عليه فرنسا بشدة واتهمت القذافي بالتدخل في الشأن التشادي، وطيلة فترة الحرب حاولت فرنسا بدبلوماسيتها إقناع القذافي الذي كان يتوغل جنوباً في العمق التشادي، بالتراجع، إلا أنها فشلت، مما أدى إلى تحرك فرنسا ودعم التشاديين وبضوء أصفر أميركي من ريغان، وهنا حدثت هزيمة القذافي وأسر آمر قواته خليفة حفتر، ومقتل قرابة 7 آلاف جندي ليبي، وأسر ما يزيد عن ألف آخر، ناهيك عن غنم جبال الذخائر وحتى سرب من طائرات الميراج في وادي الدوم.
بعد خسارة ليبيا الحرب وانتهائها في 1987 عاشت ليبيا فترات من العزلة العالمية، وتم تصنيف النظام الليبي على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، كما انه تم فرض عقوبات على الدولة الليبية، وفرض حظر طيران، مما سبب تأثيرات اقتصادية.
كانت تلك الحقبة فترة نمو الاتحاد الأوروبي وأميركا، وانهيار الاتحاد السوفييتي، وضعف روسيا المثقلة بالهموم الاقتصادية من الإرث الشيوعي، ولم يجد القذافي حليفا حقيقيا، لكنه صمد إلى أن انتهى نظام صدام حسين عام 2003، حينها شعر القذافي بتهديد حقيقي لعرشه في ليبيا، فانفتح على العالم، وسلم محتوى الأسلحة النووية الموجودة لديه وأعلن انخراطه بثرواته المهولة ضمن النظام العالمي الجديد.
بعد بضع سنوات بدأت فرنسا تنفتح على القذافي، وبدأت الزيارات الوزارية الرسمية بين باريس وطرابلس تأخذ مجراها، وتحتوي في الغالب على تنسيقات سياسية أو صفقات تجارية، وعين فرنسا وعملاقها النفطي (توتال) على حصة من نفط الجنوب الليبي، كما أن الدبلوماسية الفرنسية نجحت في تخليص الممرضات البلغاريات اللواتي اتهمن في قضية حقن أطفال الإيدز ببنغازي وحكم عليهن بالإعدام من السجن، وفق صفقة لم تظهر للعلن كان مهندسها وزير الداخلية الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي الذي وصل لقصر الإيليزيه لاحقاً.
يتبع..
وإذا عدنا بصفحات الزمن إلى الخلف فإننا سنجد أن ليبيا الشاطئ الرابع لإيطاليا بحسب تصور الفاشية الإيطالية، لم تكن هدفاً لفرنسا، التي احتلت تونس والجزائر وتشاد ومالي والنيجر ولكنها لم تحتل ليبيا، رغم أنه قبل استقلال هذا البلد لم يسمَّ ليبيا، إنما بأقاليمه الثلاث (برقة وطرابلس وفزان).
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما نتج عن اجتماع يالطا بين زعماء العالم آنذاك، اختارت بريطانيا الوصاية على برقة بوابة مصر الغربية، والولايات المتحدة فرضت وصايتها على طرابلس، بينما اختارت فرنسا إدارة إقليم فزان، نظراً لما يمتلكه من تشابك علاقات وحدود مع دول طوق الصحراء الكبرى، والتي تمتلك فرنسا نفوذاً فيها مثل تشاد والنيجر ومالي وحتى الجزائر.
وبعد استقلال ليبيا وتنصيب الملك إدريس السنوسي (المقرب لقصر بكنغهام) حاكماً على ليبيا، تناقص الدور الفرنسي في ليبيا، وتنامى الدور البريطاني وتوج بزيارة شهيرة للملكة إليزابيث الثانية لطرابلس، لكن سرعان ما انتهى الحلم البريطاني، فالقذافي في 1969 ينقلب على الملك وينفيه ويسقط الملكية ويقود البلاد، جاعلا من ليبيا بؤرة توتر حقيقية، في بلاد تعوم على برك نفطية لا تعد ولا تحصى.
نظرياً مثل القذافي الفكر الجمهوري المقرب لفرنسا، لكنه عملياً ورغم ادعاء العداء لها، كان حليفاً للولايات المتحدة، ويسير مراقبون إلى القول إن انقلاب القذافي كان بدعم أميركي للقضاء على النفوذ البريطاني في المنطقة، ولتفعيل مبدأ روزفلت بالسيطرة على منابع النفط في العالم.
لكن القذافي بخلطة قومية اشتراكية حقق توازناً بين حليفه عبد الناصر السوفييتي الهوى والمعادي للإمبريالية، وبين علاقته بالأميركان الذين كانوا يعملون في قطاع النفط وحدهم تقريباً، أيضاً كان القذافي يعرف من أين تؤكل الكتف ولو لحين، فانفتح على فرنسا واشترى منها 50 طائرة ميراج خسرها كلها تقريباً في حربه ضد تشاد لاحقاً، كما أن العقيد الشاب زار فرنسا في عهد الرئيس جورج بومبيدو واستقبل في فرنسا استقبالاً حافلاً.
وحتى عام 1978 بقيت العلاقات الليبية الفرنسية وطيدةً، ولم يعكر صفوها سوى إعلان القذافي الحرب على تشاد بغرض ضم اقليم أوزو، وهو ما اعترضت عليه فرنسا بشدة واتهمت القذافي بالتدخل في الشأن التشادي، وطيلة فترة الحرب حاولت فرنسا بدبلوماسيتها إقناع القذافي الذي كان يتوغل جنوباً في العمق التشادي، بالتراجع، إلا أنها فشلت، مما أدى إلى تحرك فرنسا ودعم التشاديين وبضوء أصفر أميركي من ريغان، وهنا حدثت هزيمة القذافي وأسر آمر قواته خليفة حفتر، ومقتل قرابة 7 آلاف جندي ليبي، وأسر ما يزيد عن ألف آخر، ناهيك عن غنم جبال الذخائر وحتى سرب من طائرات الميراج في وادي الدوم.
بعد خسارة ليبيا الحرب وانتهائها في 1987 عاشت ليبيا فترات من العزلة العالمية، وتم تصنيف النظام الليبي على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، كما انه تم فرض عقوبات على الدولة الليبية، وفرض حظر طيران، مما سبب تأثيرات اقتصادية.
كانت تلك الحقبة فترة نمو الاتحاد الأوروبي وأميركا، وانهيار الاتحاد السوفييتي، وضعف روسيا المثقلة بالهموم الاقتصادية من الإرث الشيوعي، ولم يجد القذافي حليفا حقيقيا، لكنه صمد إلى أن انتهى نظام صدام حسين عام 2003، حينها شعر القذافي بتهديد حقيقي لعرشه في ليبيا، فانفتح على العالم، وسلم محتوى الأسلحة النووية الموجودة لديه وأعلن انخراطه بثرواته المهولة ضمن النظام العالمي الجديد.
بعد بضع سنوات بدأت فرنسا تنفتح على القذافي، وبدأت الزيارات الوزارية الرسمية بين باريس وطرابلس تأخذ مجراها، وتحتوي في الغالب على تنسيقات سياسية أو صفقات تجارية، وعين فرنسا وعملاقها النفطي (توتال) على حصة من نفط الجنوب الليبي، كما أن الدبلوماسية الفرنسية نجحت في تخليص الممرضات البلغاريات اللواتي اتهمن في قضية حقن أطفال الإيدز ببنغازي وحكم عليهن بالإعدام من السجن، وفق صفقة لم تظهر للعلن كان مهندسها وزير الداخلية الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي الذي وصل لقصر الإيليزيه لاحقاً.
يتبع..