ماذا وراء التصعيد الروسي في الشمال السوري؟

08 نوفمبر 2019
تعرضت الدورية الروسية-التركية للرشق بالحجارة (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

واصلت الطائرات الحربية الروسية غاراتها على مناطق مختلفة في محافظة إدلب ومناطق الشمال السوري، موقعة المزيد من الضحايا المدنيين، ويُعتقَد بأن ذلك يشكّل توطئة لاستئناف العمليات العسكرية الموسعة التي كانت توقفت نهاية أغسطس/آب الماضي، بعد تفاهمات روسية-تركية.

وقالت مصادر محلية إن غارات روسية استهدفت فجر أمس الجمعة قرية الرامي في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، ما أدى إلى مقتل امرأة وابنتها، بالإضافة إلى امرأة أخرى وإصابة آخرين ودمار في الأبنية السكنية. كما استهدف الطيران الحربي الروسي بغارات عدة مدينة كفرنبل وبلدة حزارين وبلدة معرة حرمة وقرية الشيخ مصطفى في ريف إدلب الجنوبي، تزامناً مع قصف مدفعي على قرى الشيخ مصطفى والنقير وحسانة في الريف نفسه. كما طاول القصف المدفعي جمعية الكهرباء وقرية عرب فطومة وبلدتي كفرناها وخان العسل في ريف حلب الغربي، مصدرها قوات النظام المتمركزة في الأكاديمية العسكرية.

وكانت موجة قصف عنيف أسفرت، أول من أمس الخميس، عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، ودمار واسع، فيما ارتكبت الطائرات الحربية، قبل يومين، مجزرة في قرية السحارة بريف حلب الغربي، راح ضحيتها 8 مدنيين، بينهم نساء وأطفال، وإصابة أكثر من 20 آخرين. يأتي ذلك بالرغم من إعلان روسيا يوم 30 أغسطس الماضي وقف إطلاق نار من قبل قوات النظام جنوبي إدلب وشمالي حماة، حيث شنّت قوات النظام وروسيا حملة قصف جوي مكثف على المنطقة منذ إبريل/نيسان الماضي، أدت إلى مقتل وجرح المئات، ونزوح قرابة مليون شخص، ودمار واسع في البنية التحتية.

كما يشهد ريف اللاذقية الشمالي معارك عنيفة بين قوات النظام والفصائل المسلحة في المنطقة، إذ أعلنت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، إصابة مروحية للنظام، على محور كبينة شمال اللاذقية. وقالت شبكة "إباء" التابعة للهيئة إن "سرية المضادات"، التابعة إلى "تحرير الشام"، تمكنت من إصابة مروحية تابعة للنظام السوري فوق محور كبينة في ريف اللاذقية الشمالي. ونقلت الوكالة عن مصدر عسكري في "الهيئة" قوله إن المروحية التي أصيبت هبطت اضطرارياً في مناطق سيطرة النظام. وكانت الفصائل شنت قبل أيام هجوماً معاكساً، سيطرت خلاله على مواقع متقدّمة لقوات النظام في ريف اللاذقية الشمالي، قبل أن تنسحب منها.

وفي تفسيره لهذا التصعيد الروسي في الشمال السوري، قال القيادي في الجيش السوري الحر العميد فاتح حسون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "فشل الروس والإيرانيين ومرتزقتهم في اقتحام الكبينة بريف اللاذقية الشمالي منذ شهور وبكل الوسائل، جعل روسيا تلجأ كعادتها للضغط بأدواتها الإجرامية على المدنيين والبنى التحتية، فأصبح القصف على جسر الشغور رتيباً، مستهدفاً مراكز الرعاية الطبية والمنظومات الإسعافية والمدارس والبنى التحتية، انتقاماً من ذوي المقاتلين في الكبينة في المقام الأول". ورأى حسون أن الهدف الآخر لهذا التصعيد هو توجيه رسالة لتركيا بأن "قمة سوتشي حول إدلب لم يتم تنفيذها بما يتعلق بالفصائل المصنفة إرهابية، وبفتح الطرق الدولية وتشكيل منطقة عازلة، وبالتالي يتوجب على تركيا التغاضي عن عدم تنفيذ كامل اتفاقية قمة سوتشي حول شرق الفرات بما يتعلق بمليشيا قسد". واعتبر أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المرتقبة للولايات المتحدة في الأيام المقبلة والتقارب الأميركي-التركي لهما علاقة بما يحدث في إدلب، فـ"الولايات المتحدة صرحت مراراً بضرورة الحفاظ على المنطقة وعدم تنفيذ عمليات عسكرية واسعة فيها، والاتحاد الأوروبي كذلك، وهو ما تحاول روسيا استثماره قبل أي تقارب محتمل بين تركيا والولايات المتحدة، مذكرة بضرورة أن تكون جزءاً في أي تفاهم دولي قد يحدث على الأراضي السورية، كونها المتحكم الرئيسي بنظام (بشار) الأسد الفاشل".




وفي السياق، قدّمت هيئة التفاوض السورية مذكرة إلى الأمم المتحدة تطالب فيها بوقف العمليات العسكرية في إدلب. وأكدت الهيئة، في تغريدة نشرها الحساب الرسمي لـ"اللجنة الدستورية" على موقع "تويتر"، أهمية حماية المدنيين، وعدم استخدام حجّة وجود المنظمات الإرهابية لشنّ عمليات عسكرية في إدلب. وكان أعضاء في قائمة المجتمع المدني في اللجنة الدستورية التقوا الخميس الماضي المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، وأكدوا له ضرورة وقف الحملة العسكرية التي يشنّها نظام الأسد على إدلب، وأبلغوه أن استمرار هذه الحملة سيؤثر سلباً على سير عمل اللجنة الدستورية. كما طالب الأعضاء بضرورة عقد جلسة طارئة في مجلس الأمن لإدانة هذا العدوان والمطالبة بحماية المدنيين، مشددين على أن استمرار العمليات العسكرية للنظام "لا يتفق مع إجراءات بناء الثقة التي يجب أن تترافق مع انطلاق أعمال اللجنة الدستورية". كما طالب الائتلاف الوطني السوري المعارض مجلس الأمن بعقد جلسة طارئة للنظر في التطورات الجارية بإدلب، واتخاذ الخطوات اللازمة "لوقف الهجوم الإجرامي والقصف الممنهج الذي يستهدف الأحياء السكنية في تلك المناطق، والقيام بكلّ ما يضمن حماية المدنيين". ولفت الائتلاف، في بيان، إلى أن "تصاعد الهجمات الإرهابية للنظام وحلفائه على ريف إدلب وحلب واللاذقية دخل مرحلة جديدة من الإجرام والتدمير، الأمر الذي يستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً"، موضحاً أنه خلال الأيام القليلة الماضية استهدف القصف الأحياء السكنية ومراكز الدفاع المدني والمدارس والمستشفيات، وخلّف عشرات القتلى والجرحى.

على صعيد آخر، أبرمت "هيئة تحرير الشام" اتفاقاً مع وجهاء كفرتخاريم يقضي بوقف اقتحام "الهيئة" للمدينة، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل التوترات الأخيرة. وشهدت المدينة اشتباكات دموية راح ضحيتها عدد من المدنيين، بالإضافة إلى مقاتلين من "الهيئة" ومن "لواء هنانو" المدافع عن المدينة، فيما شارك المئات من أهالي كفرتخاريم في تظاهرات مناهضة لـ"الهيئة" و"حكومة الإنقاذ" التابعة للهيئة بعد وقف العمليات القتالية. وكان توتر قد ساد المدينة في الأيام الأخيرة على خلفية احتجاج الأهالي ضد لجان جمع الزكاة التي كانت تحاول جمع الزكاة من معاصر الزيتون، وتم طردها خارج المدينة. وتُعتبر مدينة كفرتخاريم من المدن المناهضة لسياسة "هيئة تحرير الشام"، ويسيطر عليها فصيل "فيلق الشام" ضمن "الجبهة الوطنية للتحرير" التابعة للجيش الوطني السوري.

وفي شرقي البلاد، سيّرت تركيا وروسيا دوريات جديدة على الحدود السورية التركية بتغطية من مروحيات عسكرية روسية، بموجب مذكرة سوتشي الروسية التركية لشمال شرقي سورية. ونقل موقع "روسيا اليوم" عن طيار روسي قوله: "قمنا بتنفيذ المهام الخاصة بتسيير دوريات جوية في محافظات الشمال السوري. سنجري التحليقات يومياً على كافة المحاور، وستنفذها أزواج من المروحيات على ارتفاع ما بين 50 و60 متراً". وأوضح أن المروحيات سترافق أرتال الشرطة العسكرية الروسية وستتولى تأمين مناطق تسيير الدوريات. وقال مراسل "العربي الجديد" إن الدورية المشتركة كانت مؤلفة من 4 مدرعات روسية ومثلها تركية، انطلقت من منطقة دير غصن في ريف القحطانية باتجاه ريف المالكية عند الشريط الحدودي، وتعرضت خلال مرورها في ريف منطقة المالكية للرمي بالحجارة من جانب القرويين في المنطقة، كتعبير منهم عن استيائهم من الاتفاق الروسي-التركي حول "المنطقة الآمنة" في شمال شرقي البلاد.

ميدانياً، استمرت الاشتباكات بشكل متقطع في ريف الحسكة بين "الجيش الوطني" السوري و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) المدعومة من قوات النظام السوري، بالتزامن مع قصف مدفعي تركي على مواقع "قسد" في ريف حلب الشمالي شمالي البلاد واشتباكات على محور عين عيسى بريف الرقة. وذكرت مصادر من "الجيش الوطني" أن "قسد" بالتعاون مع قوات النظام شنت هجوماً معاكساً على "الجيش الوطني" في محور قرية أم شعيفة في ناحية تل تمر غربي محافظة الحسكة، حيث تراجع "الجيش الوطني" عن القرية بعد معارك بين الطرفين أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى. من جانب آخر، قتل شخصان وأصيب آخرون جراء انفجار سيارة مفخخة في مدينة الراعي بريف حلب الشمالي، في ظل تزايد التفجيرات في المنطقة الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني". وقالت مصادر محلية إن السيارة المفخخة انفجرت أمام الباب الخارجي لمركز قيادة الشرطة والأمن العام الوطني، في مدينة الراعي.

المساهمون