ماذا لو كبرنا؟

28 فبراير 2015
نحن الأطفال نحبّ ترك أجسادنا على طبيعتها (فرانس برس)
+ الخط -

الأوّل: قيلَ لي إنني عاندت كثيراً قبل الخروج من رحم أمي. هي لا تذكر إن كان الطبيب قد ضربني لأبكي. لا تذكر أنها رأت ملامحي أصلاً. تذكر ألم المخاض فقط، ولطالما كانت تقول إنها لا تفهم كيف تقدم المرأة على الإنجاب مرة أخرى. لكن أمي هذه التي لم تفهم، عادت لتلد شقيقين لي. كلّما أنظر إلى نفسي في المرآة اليوم، أحاول أن أضغط جسدي علّني أعود إلى حجمي الأول، أي لحظة سقوطي إلى الحياة، فأتفادى السقطة.

الثاني: سقطتُ بسرعة. أرعبتني وجوه كثيرة كانت تُحدّق بي. الدماء كانت تغطي جسدي الصغير. حينها ظننتُ أنني تعرضت لإصابة ما ورحتُ أبكي. لم أكن قادراً على التكلّم. وما زال علماء النفس حتى اليوم يطلقون الدراسات حول أسباب بكاء الأطفال. لو أنهم فقط يفهمون لغة البكاء.

الأول: يظنّ هؤلاء أنهم يفهمون عالم الأطفال. يضعون قواعده ويفرضونها علينا. هل سألنا أحد إن كنا نرغب في ارتداء الملابس بعد ولادتنا؟ نحن الأطفال نحبّ ترك أجسادنا على طبيعتها. نقدّر التواصل مع العالم الآخر الذي نسافر إليه من خلال النوم. على أيه حال هذه مجرّد تفاصيل. هل تذكر كيف كانوا ينظرون إلينا؟ كأنهم منذ تلك اللحظة، أعلنوا أننا جيل المستقبل. ما هذا الحمل الثقيل؟ كيف يجتازون الحاضر ويريدوننا أن نكون مثلهم؟

الثاني: حينَ كنتُ في رحم أمي، أكثرتُ من تناول التفاح. كنتُ أُميّز رائحته بين جميع الفاكهة والخضر التي اعتادت تناولها. أسمعها تخبر والدتها (أي جدتي) عن الطفل والمراهق والرجل الذي تريده أن أكون، بينما أُكثر من تناول التفاح. منذ تلك اللحظة، أردتُ أن أخطئ. أكره القوالب والثياب المرتبة. أعشق الفوضى والجنون. في عالمي لا تنتهي الحياة. أمي والأمهات والآباء لا يدركون أنهم يعيشون واقعاً لا حياة فيه، ويريدون فرضه علينا. لا يريدون لأحد أن يختبر ما يفتقدونه، حتى نحن. من قال إن الأهل لا يغارون من أطفالهم؟

الأول: أتعرف؟ لن نسمح لهم أن يجعلونا نكبر. لن يحصل هذا على الرغم من كميات الحليب التي يجبروننا على تناولها، والخضر المسلوقة التي لا طعم لها. سنحافظ على لغتها حتى لا يخترقوا شيفرتنا. عالمنا ملكنا وحدنا. أجمل ما فيه أننا لا نفكر كثيراً، بل نفعل ما يحلو لنا. نبكي إذا حملنا شخص لا نرغب فيه. وننام في أحضان من نحبّ. نصرخ حين نريد ولا ننام على هوى الشمس والقمر.

الثاني: ماذا لو كبرنا؟

الأول: سنفعل ما يحلو لنا. سنبكي إذا التقينا بشخص لا نرغب فيه وننام في أحضان من نحب، ونصرخ حين نريد، ولن ننام على هوى الشمس والقمر.

دلالات
المساهمون