تفاوتت ردود فعل الشارع المقدسي إزاء القرار الأخير لمجلس الأمن، الذي أدان الاستيطان وطالب بوقفه، وكان لافتاً من هذه الردود ما هو متعلق بالموقف الأميركي تحديداً، وهو موقف لم يعلق عليه الشارع المقدسي آمالاً كبيرة حيال المستقبل، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، الذي علق على قرار مجلس الأمن بالقول "انتظروا إلى ما بعد ديسمبر/ كانون الأول الجاري".
تصريحات ترامب فهمت تلميحاً إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة برئاسته، ستتخذ مواقف أكثر دعماً لإسرائيل، وربما تكون القدس، وما قيل عن قرار أميركي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، هدية ترامب المنتظرة للدولة العبرية.
في شارع صلاح الدين، وهو أحد أشهر الأماكن التجارية خارج أسوار البلدة القديمة من القدس، كانت ردود الفعل من قبل مواطنين وتجار هناك تُجمع على اعتبار ما تم بأنه خطوة مهمة لها ما عليها لاحقاً، كما قال أمين سر الغرفة التجارية في المدينة، حجازي الرشق، لـ"العربي الجديد".
وطالب الرشق القيادة الفلسطينية بمتابعة هذا القرار بخطوات أكثر حزماً، خاصة فيما يتعلق بالقدس وجهود الاحتلال الحثيثة لتهويدها وأسرلتها بالكامل، خاصة فيما يتعلق بالاستيطان وتوسيع رقعته يومياً ونهب ما تبقى من أراضي المقدسيين، وقال: "نريد قراراً خاصاً بالقدس يلجم الاحتلال ويضع حداً لممارساته ضد الوجود المقدسي الذي يتعرض لأسوأ أنواع التطهير العرقي".
في حين لا يرى غالب الوعري، صاحب صالون حلاقة، أهمية كبيرة للموقف الأميركي في مجلس الأمن، فالإدارة الحالية توشك على الرحيل، وهي أكثر الإدارات دعماً لإسرائيل سواء بالمال أو السلاح.
ويقول الوعري لـ"العربي الجديد": "أوباما مقفي (أي مغادر لمنصبه)، واللي قدموا لإسرائيل ما قدموا زعيم أميركي ثاني.. بس هدول الإسرائيليين أكالين نكارين".
مع ذلك يرى خضر النتشة، وهو تاجر في سوق المصرارة خارج أسوار البلدة القديمة، ضرورة متابعة القرار وعدم التوقف عنده، وتخصيص القدس بقرار آخر، لأن ما يجري في المدينة المقدسة يشكل ذروة الصراع ولبّه.
يقول النتشة إن "القرار هام جداً، ومجرد عدم تصويت أميركا ضده إنجاز، لأن كل مصائب وكوارث الاستيطان موجودة في القدس، يعني بعد عشر سنوات ستأتي الناس على قدس ثانية لا أحد يعرفها أو يتعرف عليها".
أما في البلدة القديمة ذاتها، ومع تفاوت الآراء حول القرار الأخير لمجلس الأمن، فإن ما يعني المواطنين المقدسيين هناك هو تغيير جذري حقيقي في السياسة الأميركية، وقد كانت على مدى عقود طويلة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منحازة لإسرائيل وداعمة لها بلا حدود، كما يقول الناشط المقدسي علاء الحداد، من سكان حارة السعدية المتاخمة للمسجد الأقصى. ويشاركه الرأي في ذلك ناصر قوس، مدير نادي الأسير الفلسطيني في القدس، خلال حديثهما لـ"العربي الجديد".
واعتبر كلاهما القرار إنجازاً كبيراً للدبلوماسية الفلسطينية، ما كان ليتحقق لولا المتابعة والإصرار الرسمي الفلسطيني على انتزاع هذا القرار بامتناع الولايات المتحدة عن التصويت.
في حين، لم يخف آخرون غضبهم وسخطهم على نظام السيسي الذي تجرأ على حقوق الفلسطينيين، وسحب مشروع القرار قبل ذلك بيوم رضوخا عند ضغوط نتنياهو وباتفاق مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
المواطن المقدسي ناظم الزغير من سكان شارع الواد في بلدة القدس القديمة، قال لـ"العربي الجديد"، إن "السيسي بقراره سحب مشروع القرار، أثبت عمالته لإسرائيل ووقوفه معها ضد حقوق الشعب الفلسطيني".
وأضاف "نحن هنا نشعر بأن أصدقاءنا في دول العالم مثل: فنزويلا، والسنغال، وماليزيا، ونيوزيلندا التي بادرت وقدمت القرار بدلاً من نظام السيسي، هي الحليف الحقيقي لشعبنا وليس من خانوا شعبهم وقضيتهم الوطنية وأساءوا لشعب مصر العظيم".
يقول نوح الرجبي وهو مسن مقدسي لـ"العربي الجديد": "اللي بقتل شعبه في سينا واللي حرقهم من قبل في ميدان التحرير ما في منه أمان. كيف إحنا بنسلم رقابنا لهيك زعماء. لو كان جمال عبد الناصر عايش مش ممكن يعمل هيك. واحنا منتذكر تماماً عبارته (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة). للأسف مصر اليوم غير مصر زمان. وربنا يعينك يا شعب مصر على حكامك".
ويختلف الموقف لدى السياسيين المقدسيين نوعاً ما من القرار بالتعبير عن قناعتهم، بأن ما تم كان إنجازاً وانتصاراً كبيراً للحقوق الفلسطينية، كما يقول وزير القدس ومحافظها، المهندس عدنان الحسيني، لـ"العربي الجديد".
ويضيف أن "ما كان هذا ليتحقق لولا إصرار القيادة الفلسطينية والرئيس محمود عباس أبو مازن، وهو رجل سلام بكل ما تحمله الكلمة من معنى، على انتزاع قرار من مجلس الأمن، نرى أنه سيساهم في دفع عملية السلام إلى الأمام، في وقت تواصل إسرائيل وضع العراقيل أمام استئنافها".
وفي ما يتعلق بالموقف المصري، أكد الحسيني أن مصر شرحت موقفها ومبرراتها من دواعي سحب مشروع القرار، وما زلنا نحترم الموقف المصري الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، وقد تجلى ذلك أيضاً بالتصويت لصالح القرار في مجلس الأمن.
وأكد وزير القدس وجوب تعزيز وتقوية روابط الفلسطينيين قيادة وشعباً بدول العالم الصديقة التي كانت سباقة في تقديم مشروع القرار، ووقفت إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني.