ماذا عن مجتمعنا؟

13 فبراير 2015
+ الخط -

الكذب والنفاق وازدواجية المعايير، تزييف الحقائق والخداع، وادعاء الأخلاقيات الإنسانية، كلها صفات ذميمة، يتهمها المجتمع العربي للدول والسياسيين والأنظمة الحاكمة، أميركا ظالمة، تُمارس سياسة الكيل بمكيالين، وازدواجية المعايير، إسرائيل دوله مارقة تغتصب الحقوق وتسلب الثروات، الأنظمة قمعية وفاسدة، تهدم بنى المجتمع، وتغيب فكر المواطن وتنهب قوته، وقوت أولاده.
ذلك كله حقائق دامغة، لا شك في صحتها، ومعزول عن الواقع، بعيد عن المنطق من يدعي غير ذلك، لكن مهلاً، لنتوقف، قليلاً، عند هذه الصفات، ونفتش عنها في طيات وتفاصيل حياتنا، أفراداً ومجتمعات، هل ستصدمنا الحقيقة، وتدخلنا في أزمه أخلاقية، عندما نجد كل السلوكيات المتوحشة من الكذب والتضليل والخداع، وسرقة أموال الغير، وممارسة البلطجة والترهيب، تنطبق علينا، أفراداً ومجتمعات، وتكاد تكون سمه أساسية من سلوكياتنا وتصرفاتنا وتفاعلاتنا الإنسانية؟
كم جريمة قتل ترتكب في مجتمعاتنا، مع اختلاف الدوافع والأسباب، ألم تصبح السرقة والابتزاز والاحتيال حالة عامة، نشاهدها ونتعرض لها، تُمارس علينا من القريب والبعيد، والعدو والصديق.
قد تجمعك الدنيا بشخص لا تعرفه، أو تعرفه ربما، تمتلئ صفحته على "فيسبوك"، بالحكم الإنسانية النبيلة، والمواعظ من آيات وأحاديث ومقولات حكماء، فتبدو من حديثه النموذجية و المصداقية، تجده يهاجم ظلم أميركا، وازدواجية معاييرها السياسية، في فلسطين والعراق، وسرقتها موارد الأمة ونفطها، ثم ما يلبث أن ينتقل بهجومه على إسرائيل، ويحترق ألماً، على ممارساتها المنحلة من الضمير، بسرقة أملاك الفلسطينيين، وتجويعهم ومحاصرتهم، وقتلهم وابتزازهم، يختم خطبته العصماء، بصب جام غضبه على الأنظمة الفاسدة، المجرمة، وسياسييها منعدمي الأخلاق والضمير، وإعلامها المنافق والكذاب، مسمّم العقول، مشوه الأفكار، فينتهي باستغفار الله وتسبيحه من خلال مسبحته التي لا تفارق يده، فلا تستطيع إلا أن تنحني إعجاباً أمام عظمته الإنسانية النادرة، لتقول، في قرارة نفسك إن الدنيا لِسَّه بخير، طالما ظل أمثاله يتنفسون الهواء على الأرض، لكنك ما تلبث أن تغير كل قناعاتك وفكرتك، تجاه هذه الشخصية، في أول احتكاك فعلي على الأرض، لتجد فيها كل صفات الدول والأنظمة والسياسيين، من نفاق وكذب ومراوغه ودَجَل، تتلبسها ازدواجية المعايير الأميركية، وتنطبق عليها بحذافيرها بلطجة إسرائيل باستبدادها وتسلطها إن امتلكت القوة والقدرة على الابتزاز، كما يتواءم سلوكها مع أخلاقيات السياسيين العرب من خداع وفساد وتضليل، لينعكس لسان حالك بلعن اللحظة التي تراءت فيها لبصرك، وتؤكد أن الدنيا ستبقى خربانة، طالما بقي بأمثالها أكسجين للنفس.
نطالب أميركا، مجتمعات وأفراداً، بالعدل، بينما لا نطبقه على المرأة، فنحرمها من التعليم والميراث والعمل، وإذا سمحنا لها بالعمل فلتلبية رغباتنا المادية كذكور، ونمارس عليها التضييق والحبس المنزلي، كما ونمنعها من قيادة السيارة، بفتوى شرعية تتغاضى عن وجودها مع سائق غريب في خلوة غير شرعية، لا بأس إن قادت الطائرة، وتكون نهايتها القتل أو (الشخت عالبالوعة، في مصطلح باب الحارة) إذا ما ارتكبت خطأ يمس كرامة ورجولية الذكر، بينما يسمح للذكر ويعطى كرت أخضر لممارسة مغامراته العاطفية بالطول والعرض، ليكون مثار الإعجاب والتفاخر، حتى لو خربت هذه المغامرات الوردية، بيوت وأساءت لسمعة البشر والعائلات.
نعم، صحيح وبلا أدنى شك، أميركا دوله استعمارية سارقة، تُمارس الإرهاب الدولي، تدّعي السمو والأخلاقية الإنسانية، على دول العالم الثالث المظلومة، إسرائيل كيان عنصري مغتصب ولص وقاطع طريق دولي، تُمارس البلطجة بكل حذافيرها، أيضاً أنظمتنا العربية قمعية فاسدة وكاذبة، ذلت شعوبها وسرقتها عبر العقود. لكن، ماذا عن مجتمعنا؟
 

 

avata
avata
سامر ياسر (فلسطين)
سامر ياسر (فلسطين)