ماذا تعرف عن نيوزيلندا؟

26 مارس 2019
+ الخط -
مدخـل:
ربما عرف الكثيرون منا بهذا البلد الصغير والبعيد من حيث موقعه الجغرافي بعد مذبحة المسجدين المفجعة والتي وقعت الأسبوع الماضي وراح ضحيتها أكثر من 50 شهيدا، نسأل الله لهم القبول.

ولكن ما يجب أن نعرفه هنا أن مواقف الحكومة والشعب النيوزيلندي تجاه المذبحة لم تكن بمعزل عن مواقف نيوزيلندا التاريخية الدائمة تجاه قضايا العدالة والسلام والاستقرار في العالم، حيث يعد المجتمع النيوزيلندي من أكثر شعوب العالم انفتاحاً على الثقافات الأخرى وقبولاً بالآخر.

وسنستعرض هنا بعض المواقف الأخيرة لنيوزيلندا، في ما يتعلق بالقضايا ذات الصلة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والإسلام.

أولا: موقف نيوزيلندا من غزو العراق

رفضت الحكومة النيوزيلندية بقيادة الرئيسة السابقة هيلين كلارك المشاركة مع حلفائها التاريخيين بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في التدخل العسكري بالعراق بزعم وجود أسلحة نووية، حيث صمدت نيوزيلندا أمام الضغوط والإغراءات من الدول المشاركة، ولم تتخل عن موقفها الرافض للتدخل.


ثانيا: موقف نيوزيلندا من قضية التمييز العنصري في جنوب أفريقيا

كانت نيوزيلندا من أوائل الدول الغربية التي أعلنت عن موقفها الرافض والمطالب بإنهاء التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، وهو ما أشاد به المناضل الأفريقي الكبير نيلسون مانديلا، في الكثير من المناسبات وعدد من المحافل.

ورغم تعدد مواقف الشعب النيوزيلندي الكثيرة تجاه هذه القضية، إلا أن حادثة منتخب جنوب أفريقيا الرياضي آنذاك تعد من أروع الأمثلة التي يفخر بها النيوزيلنديون، وتعبر عن طبيعة الشخصية النيوزيلندية الهادئة عند التعبير عن اختلاف الرأي، حيث تم وضع الزهور وتغطية كامل أرض الملعب قبل بدء المباراة بساعات، وذلك في أرقى تعبير عن الرفض لما كان يحدث في جنوب أفريقيا حينها.

ثالثا: موقف نيوزيلندا من القضية الفلسطينية

مواقف الشعب النيوزيلندي الداعم للقضية الفلسطينية كثيرة، ولكن دعونا نشير إلى أبرزها أخيرا، حيث تقدمت نيوزيلندا بمبادرتها لحل القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة قبل عامين، وتتويج تلك المساعي بقرار دولي بقيادتها ومشاركة كل من السنغال وماليزيا وفنزويلا، حيث نص القرار على وقف الاستيطان بالأراضي المحتلة.


ورغم الضغوط التي تعرضت لها نيوزيلندا من قبل الولايات المتحدة الأميركية، أستراليا واللوبي الصهيوني، واصلت الدبلوماسبة النيوزيلندية نشاطها بشأن القرار، هذا وقد سحبت إسرائيل سفيرها من نيوزيلندا.

ونيوزيلندا ليست لها سفارة بإسرائيل، حيث يعد سفيرها لدى تركيا سفيرا غير مقيم لدى كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

كما تجدر الإشارة إلى أن نيوزيلندا قد قطعت علاقاتها بإسرائيل لمدة 8 أعوام، بعد أن قامت إسرائيل باستخدام جوازات نيوزيلندية في عملية اغتيال القيادي في كتائب الشهيد عز الدين القسام محمود المبحوح في دبي.

رابعا: لجوء المواطن الجزائري أحمد الزاوي

خرج الشارع النيوزيلندي معبرا عن تضامنه مع المواطن الجزائري والقيادي بالجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر آنذاك السيد أحمد الزاوي بعد وصوله إلى نيوزيلندا وتقديمه للجوء السياسي، حيث كان الزاوي مطلوبا لدى العديد من الدول الغربية بتهمة الإرهاب، واستجابت الحكومة النيوزيلندية للمطالب الشعبية بعد مسيرات غير مسبوقة، تمت على أثرها إعادة محاكمة الزاوي بنيوزيلندا وتوجت بمنحه الإقامة الدائمة والحماية ليحصل بعدها على حق التمتع بالمواطنة النيوزيلندية وحمل الجواز النيوزيلندي.

خامسا: موقف الفنانة النيوزيلندية لورد وتضامنها مع غزة

المواقف الشخصية للناشطين النيوزيلنديين كثيرة ومتعددة، لكن دعونا نشير إلى أبرز تلك المواقف التي حدثت خلال الأشهر الماضية، حيث ألغت الفنانة النيوزيلندية الشهيرة لورد حفلها الغنائي المقررة إقامته في تل أبيب.

جاء الإلغاء بعد مطالبات من عدد من المنظمات الحقوقية في نيوزيلندا الفنانة بإلغاء الحفل، وذلك تضمانا مع الشعب الفلسطيني في غزة جراء القصف الذي تعرضت له غزة في تلك الفترة، أي قبل عام، وقد ألغت الفنانة حفلها رغم الضغوط التي مرت وتمر بها من اللوبي الصهيوني وإسرائيل.


سادسا: موقف نيوزيلندا والتطرف اليميني

رغم أن حرية التعبير تعد حقاً مقدساً في نيوزيلندا، إلا أن خطاب الكراهية مرفوض تماماً من قبل المجتمع النيوزيلندي، حيث لا تجد الأفكار المتطرفة التجاوب والقبول، مما يضطر صاحب الفكرة للتخلي عنها وتركها لتجاهل المجتمع أو رفضها بشكل كبير.

ونذكر هنا زيارة أبرز المتطرفين اليمينيين وأكبر المروجين لربط الإسلام بالإرهاب، وهما: لورين ثاوثرن وستيفان مولينوكس لنيوزيلندا قبل عدة أشهر، حيث منحتهما سلطات الهجرة النيوزيلندية التأشيرة لإقامة محاضرتهما بكبرى المدن النيوزيلندية، وذلك بعد إجراءات مطولة، إلا أن النيوزيلنديين تظاهروا بأعداد كبيرة أمام مركز إقامة المحاضرة، ما اضطر الجهة المنظمة والمستضيفة إلى إلغاء فعاليات الحدث في الساعات الأخيرة خوفا من مقاطعة المجتمع النيوزيلندي لأنشطتها وخدماتها في المستقبل.

سابعا: شركة شل

قاطع النيوزيلنديون شركة شل في نيوزيلندا مما اضطرها إلى بيع محطات الوقود هناك، وكانت تعد من أكبر شركات الوقود اتساعا وانتشارا في نيوزيلندا، هذا وقد غيرت الشركة التي اشترت الأصول إلى اسم آخر.

ختاما:

تعد نيوزيلندا دولة صغيرة نسبياً من حيث المساحة والسكان ومع ذلك تعد من الدول الرائدة، حيث تنافس في المراكز الأولى سنوياً في ما يتعلق بالتعليم وأفضل البلدان للعيش في العالم والنظافة والسياحة، وقلة الفساد الإداري.

وتأتي في مقدمة الدول أيضاً في ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والشفافية، والمطالبة بمنع وتحريم الأسلحة النووية، حيث تمنع مرور أي مواد ذات طبيعة نووية بأراضيها أو أجوائها ومياهها الإقليمية.

كما أنها في طليعة الدول المهتمة بالتغير المناخي، حيث أوقفت قبل أشهر التنقيب عن البترول رغم أهمية هذا القطاع ضمن ميزانية الدولة الصغيرة والتي تعتمد بشكل كبير على الزراعة والسياحة والخدمات، بالإضافة إلى التكنولوجيا.

74D883A4-F313-43FB-AB92-A22F92F32B0F
سليمان مندر

باحث وكاتب مقيم في نيوزيلندا، سبق وأن عملت بالصحافة والإعلام في السودان.

مدونات أخرى