ماذا بعد تمزيق الرايات السود في العراق؟

26 نوفمبر 2017
+ الخط -


ما حصل أثناء تحرير العراق من دنس تنظيم "داعش" الإرهابي هو أن الجيش العراقي والأجهزة الأمنية الوطنية أسقطت الرايات السود التي يتخذ التنظيم المتطرف منها غطاءً لإراقة الدماء واستباحة الأرض، والاعتداء على الحرمات، إذ اتبع أبناء العراق في تحرير أرضهم استراتيجية تشابه استراتيجية إسقاط حجر الدومينو التي تساقطت بعدها بقية الرايات السود الأخرى تباعاً، حتى وإن لم تحرر كامل الأراضي بلغة الأرقام والحسابات العسكرية.

هناك هفوات كان يجب أن تعالج قبل أن نقع في نشوة النصر، ومن هذه الهفوات هي مخاطر المضي بمجانية البيانات والتصريحات، سواء في الإعلام العراقي الحكومي الرسمي أو من قبل الرئاسات الثلاث انتهاءً بوزارة الدفاع وخلية الإعلام الحربي، لأن هذه البيانات والتصريحات قد تكون غير مدروسة ولها مردود سلبي على النصر المحقق.

وبعد سقوط الرايات السود هناك ثمة أسئلة اليوم لا بد أن تطرح بكل صراحة وشفافية: متى يعود المهجرون قسراً والنازحون ظلما وإلى أين بعد أن تدمرت مدنهم ومنازلهم بالكامل؟
من يسيطر على الأرض بعد التحرير؟ من سيحاكم المتسببين بسقوط أكثر من نصف العراق بيد التنظيم المتطرف؟


هذه الأسئلة يجب أن تطرح قبل أن نستغرق بزهو النصر على أهميته الكبيرة وإلا كيف نذهب إلى شخص مثل رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي الذي سقطت في عهده أكثر من نصف مساحة العراق، إذ يمسك اليوم بزمام الآمور ويسيطر فعلياً على القرار التشريعي في العراق، ويحرض على تصفية الكثير من الرموز سياسياً، فهل من يذهب إليه يرغب بإعادة الفيلم من جديد في العراق؟!

المناطق المحررة من سيطرة تنظيم "داعش" ممسوحة بالأرض، وهي بحاجة إلى مارشال جديد لإعمارها ولا ينبغي أن تذهب أموال الإعمار إلى اللصوص من السياسيين وأعضاء مجالس النواب والمحافظات وأحزاب كانوا يزودون ديوان الرقابة المالية بفواتير إنفاقهم على تبليط شوارع هي أصلا ساقطة بيد تنظيم "داعش" قبل يونيو/حزيران 2014.

الجميع كان متفقاً على أن المعركة ضد "داعش" أهم من تفاصيلها، لذلك النصر كان حليف العراق بلا منازع، لكن اليوم حان وقت الجد، ولا بد من دخول الجميع بالتفاصيل الدقيقة للذي أدى إلى نشوب المعركة وأثناء اندلاع المعركة وماذا سيحدث بعد انتهاء المعركة.

انتهت الحرب عسكرياً، لكن ما لم ينتهِ بعد هو كسب المعركة سياسياً، بإجراء تحول في النظام السياسي الحالي الذي جعل من احتلال ثلث العراق ممكناً.

المشكلة الأساسية للعراق يجب أن يعاد طرحها على أسس ديمقراطية، يجب نقد التجربة السياسية السابقة من دون هوادة، ويجب فضح الطائفيين والفاسدين ودورهم السياسي في نمو العنف وتفشي ظاهرة الإرهاب وانتشار الفساد والظلم وضياع هيبة الدولة داخلياً وخارجياً.
4E37D67F-F2E6-47DE-A34C-0A09289924D0
مصطفى الحديثي

باحث وأكاديمي عراقي - طالب دراسات عليا، حاصل على عدة شهادات دولية في مجال الصحافة والإعلام. يقول: لست إلا لسانٌ حُر يكتُب في هذا الفضاء عن الحق