يطرح استهداف الدورية المشتركة بين القوات الروسية والتركية على الطريق الدولي حلب-دمشق "أم 4" المار من إدلب شمالي غرب سورية، أمس الإثنين، تساؤلات حول الخيارات التركية لإنهاء الاستهداف المتكرر للدوريات، والرد على المطالب الروسية المتكررة بمحاربة "الجماعات الإرهابية" في المنطقة، إضافة إلى مصير اتفاق موسكو الموقّع بين الطرفين في 5 مارس/آذار الماضي، كما يفتح باب التساؤل حول مستقبل هذه الدوريات، التي توقّفت لأكثر من مرة.
وشكّل تسيير الدورية المشتركة، أمس الإثنين، حدثاً مفاجئاً، بعد إعلان موسكو تعليق مشاركتها في الدوريات المشتركة، الخميس الماضي، إلا أن الحدث الأهم كان استهداف الدورية، ما أدى إلى إصابة مدرعة تركية، من دون الحديث عن سقوط ضحايا. وتعرضت الدورية المشتركة الروسية-التركية رقم 24 لهجوم من قبل مجهولين خلال سيرها. وأشارت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إلى أن مجهولين أطلقوا قذيفة صاروخية من نوع "آر بي جي" على الدورية خلال سيرها على الطريق الدولي في ريف إدلب الجنوبي. وأضافت المصادر أن القذيفة أصابت عربة مدرعة للجيش التركي عند قرية مصبين الواقعة على الطريق، ما أدى إلى توقفها وإصابتها بأعطال، فيما لم يتم الإعلان عن وقوع إصابات في صفوف الجنود الأتراك. وبحسب المصادر، فإن الدورية تعرضت للقصف في المسافة الواصلة بين بلدة مصيبين ومدينة أريحا، وهي النقطة ذاتها التي تعرضت فيها الدورية سابقاً لهجوم مماثل من قبل مجهولين.
فيما قالت مصادر أخرى لـ"العربي الجديد" إن القذيفة لم تصب العربة بشكل مباشر، بل الطريق أسفل العربة، ويبدو أن الاستهداف كان من مكان قريب، والهدف منه توجيه تحذير أو إنذار وليس استهداف العربة بشكل مباشر. وأوضحت أن العربات التركية توقفت في مكان الاستهداف، بينما تابعت الآليات الروسية سيرها باتجاه قرية ترمبة بشكل منفرد. في حين أشار مصدر آخر إلى أن الاستهداف قد يكون عبر عبوة مفخخة تم زرعها على الطريق، وتفجيرها لدى مرور الدورية. وكانت هذه الدورية قد بدأت مسيرها بشكل معاكس عما كان من قبل، إذ انطلقت من بلدة حور العين في ريف اللاذقية الشرقي المتاخمة لريف إدلب الغربي، وانتهت في قرية ترمبة شرقي إدلب، علماً أن الدوريات السابقة كانت تبدأ مسيرها من ترمبة وتنتهي في عين الحور.
وبعد هذا الاستهداف، قال الكرملين في بيان أمس إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، بحثا في مكالمة هاتفية الوضع السوري، واتفقا على تكثيف جهود مكافحة الإرهاب في سورية، وذلك بعد إصابة دورية تركية روسية مشتركة في الانفجار. كما تم الاتفاق على مزيد من التنسيق من أجل تحقيق الاتفاقات الروسية التركية بشأن منطقة خفض التصعيد في إدلب، وعلى رأسها البروتوكول الإضافي لمذكرة سوتشي لعام 2018، الذي تم اعتماده في موسكو في مارس الماضي، وفق البيان.
اتفق بوتين وأردوغان على تكثيف جهود مكافحة الإرهاب
وسارت الدورية أمس بشكل مفاجئ بعد أن كانت الخارجية الروسية قد أعلنت، يوم الخميس الماضي، تعليق مشاركتها في الدوريات على الطريق، عبر المتحدثة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا. وعزت المسؤولة الروسية القرار إلى ازدياد هجمات من سمتهم بالمسلحين ضد مواقع قوات النظام، ومواصلة استفزازاتهم قرب طريق "أم 4"، حسب قولها. وسبق هذا الإعلان بيوم، تسيير الدورية رقم 23 بعد عشرين يوماً من التوقف لأسباب أمنية، علماً أن الدوريتين 22 و23 سارتا على الطريق وسط إجراءات أمنية مشددة، وذلك عقب تعرض الدورية 21 لهجوم بعبوة ناسفة أسفر عن إصابة ثلاثة من الجنود الروس بجروح، في 14 يوليو/تموز الماضي، وأعلن تشكيل غير معروف من قبل، يدعى "كتائب خطاب الشيشاني" الوقوف وراء الهجوم.
ويأتي الاستهداف المتكرر للدوريات الروسية-التركية المشتركة على طريق "أم 4"، ليفتح باب التساؤل حول مستقبل هذه الدوريات، التي اتفق الروس والأتراك على تسييرها ضمن اتفاق موسكو الموقّع في الخامس من مارس/آذار الماضي، والذي أوقف العمليات العسكرية بين الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية من جهة، وقوات النظام والمليشيات المتحالفة معها من جهة أخرى، ونصّ كذلك على إنشاء حزام آمن على جانبي الطريق بـ6 كيلومترات من كل جانب، وتسيير دوريات على المسافة التي تقطع محافظة إدلب منه، تمهيداً لفتح الطريق أمام الحركة التجارية والطبيعية، وهذا مطلب ما انقطعت موسكو عن الإلحاح عليه أمام الجانب التركي. ولا شك أن من بين الخيارات المطروحة، ولا سيما أمام تركيا، محاربة التنظيمات الراديكالية التي ترفض اتفاق موسكو، بما يتضمنه من تسيير دوريات على الطريق، ولعل الضغط الروسي نحو أنقرة في هذا السياق سيكون أكثر من ذي قبل، نظراً لتمسك تركيا بالمحافظة على نفوذها في إدلب، وعدم ترك الذرائع أمام النظام والروس لإنهاء الاتفاقات والتقدم نحو مزيد من المناطق.
تتمسك تركيا بالمحافظة على نفوذها في إدلب، وعدم ترك الذرائع أمام النظام والروس لإنهاء الاتفاقات
وعلى الرغم من أن التشكيل الراديكالي الأكبر في إدلب، هو "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، إلا أنه من المستبعد أن تأتي تركيا على محاربته في حال أقدمت على إبعاد التشكيلات المتطرفة عن إدلب أو محاربتها، كون الهيئة عمدت خلال الفترة السابقة إلى إظهار ليونة في شعاراتها ومواقفها، بل إنها قدّمت حماية للدوريات الروسية-التركية، كما أنها سارت في طريق تصفية الفصائل المتطرفة في إدلب من خلال محاصرتها ومحاربتها في وقت سابق من هذا العام. وإضافة إلى تنظيم "كتائب خطاب الشيشاني" الذي ظهر بعد استهداف الدورية رقم 21، تتواجد في إدلب تنظيمات متشددة أخرى كـ"حراس الدين"، وهو أول فصيل يرفض الاتفاقات بين روسيا وتركيا، لكونه يقدّم نفسه كممثل عن تنظيم "القاعدة" في سورية، بالإضافة إلى تنظيمات "جبهة أنصار الدين"، و"الحزب التركستاني في بلاد الشام"، و"أنصار التوحيد".
وتجمّعت بعض هذه الفصائل وغيرها ضمن ما أطلق عليها غرفة عمليات "فاثبتوا"، والتي شُكلت بعد انشقاقات في قيادة "هيئة تحرير الشام"، وضمّت الغرفة خمسة فصائل، هي "تنسيقية الجهاد"، و"لواء المقاتلين الأنصار"، وجماعة "أنصار الدين"، وجماعة "أنصار الإسلام"، وتنظيم "حراس الدين". إلا أن الهيئة عمدت إلى تصفيتها، من خلال اعتقالات طاولت بعض قيادييها، اندلعت على إثرها اشتباكات في إدلب، نهاية يونيو/حزيران الماضي.