السخرية وحضور الخطوط والألوان حادة التباين، لعلها تمثل الثوابت الأساسية التي يمكن التقاطها في معظم أعمال التشكيلي التونسي ماجد زليلة (1981).
يوم الخميس الماضي، افتُتح معرض للوحاته في غاليري "أتلييه 18" في مدينة ليون الفرنسية الذي يستمر حتى 11 آذار/ مارس 2017. المعرض هو حصيلة إقامة فنية مطوّلة (2016) في "الحي العالمي للفنون" في باريس.
لن نجد ثيمة محدّدة للوحات المعروضة، لكن زليلة يقول في حديث إلى "العربي الجديد": "أعمل على ترجمة تشكيلية للشارع، وأتخذ من الشخصيات ذرائع للسخرية من كل ما حولي". الجديد في معرض ليون هو أنه يمكن ملاحظة دخول عناصر جديدة إلى تركيبة لوحات الفنان التونسي، دون أن يمسّ ذلك بالفكرة الأساسية: التقاط ما يمكن أن نضحك منه في الحياة اليومية.
يقول "في باريس، تغيّرت الإلهامات، فالشخصيات التي تمثل العمود الفقري لأعمالي قد تغيّرت وتنوّعت. لم يعد التونسي وحده حاضراً، ظهرت معه عرقيات وألوان أخرى دخلت لوحتي، وظهرت مُلاءمات تشكيلية مع المكان".
اعتمد زليلة في معرضه على أكثر من محمل وخامة، إذ نجد القماش والورق العادي وورق الحرير والكرتون، وهي محامل استعمل عليها الحبر العادي والحبر الصيني وغيرها. تنويعات ليست غريبة عنه حيث اعتمد في السابق على محامل متباينة مثل الخشب والحديد والألمنيوم وورق الجرائد وغيرها.
ثمة تقاطعات بارزة بين أعمال زليلة وأشهر تجربة تشكيلية عرفتها بلاده؛ "مدرسة تونس" (منتصف القرن العشرين). لا يرى زليلة علاقة تأثر مباشرة، مشيراً إلى أنه التقط بالأساس عنصر العفوية واستعمالات الخط، وبحث عن رؤى مختلفة للحياة في تونس من أجل الوصول إلى بلورة تشكيلية تخصّه.
ضمن مناخ السخرية الذي تؤثثه لوحاته، سألناه هل يتضمّن عمله سخرية من "مدرسة تونس" أيضاً؟ يردّ، "بالعكس أعتقد أن هناك فنانين كباراً فكّروا بمعايير عصرهم".
يضيف "مدرسة تونس تجربة أكنّ لها الكثير من الاحترام، ولكنّني حتى وإن اتخذت نفس المواضيع فإنني أحاول أن أذهب إلى مزيد من التجريد وفي نفس الوقت مزيد من الحدّة. كما أنني أتّجه إلى ما هو أبعد من مظاهر الحياة؛ إلى الذهنيات المرافقة لها وألعاب الكلام وغير ذلك". هنا يستطرد "إذا كان عليّ أن أسخر، فسأسخر ممّن يركبون اليوم موجة التنصيبات؛ آخر صيحات الحداثة الفنية".
بالرغم من هذا الموقف، يعتبر زليلة أنه - كمجمل الحركة الفنية في العالم - يتجه أكثر فأكثر نحو المفاهيمية، وأن التنصيبات تمثّل أبرز تجسيداتها. يقول "أفكر في الانتقال إلى هذه التجربة، لكن أريد عملها بمفردات عالمي وبالشخصيات التي باتت لها خصائصها التشكيلية".
يصادف افتتاح معرض ليون تواصل تنظيم معرض آخر لزليلة يقام في "غاليري كاليست" تونس العاصمة. لعلنا من خلال هذه المصادفة نتلمّس فوارق تنظيم المعارض بين فضاءين مختلفين.
يقول زليلة "المعارض التي تقام في تونس يمكن التكهّن بزائريها وهم في معظمهم يعرفون الفنان وتجربته، أما في معرض ليون فهناك تحدّ مغاير، لا يمكن معرفة كيف يتلقى الأعمال زائر لم يسبق وتعرّف على أجواء هذه الأعمال خصوصاً تلك التي بنيتها على أمثال شعبية تونسية أو دقائق الحياة اليومية".
من جانب آخر، لا يرى زليلة اختلافات عميقة في عوائق تقبّل الفن بين تونس وفرنسا على عكس الظاهر. يقول "وجدت نفسي مستاء من باريس والدعاية التي تحيط بها. الغاليرهات في معظمها تُكترى أو تَعرِض بمقابل مالي. نادراً ما صرنا نجد ذلك الغاليري الذي يحمل مشروعاً أو يقف خلف الفنانين".
يتابع "أعتقد أن ثمة اليوم حالة من قلة الاكتراث بالفن في العالم، ليس في البلاد العربية وحدها وإن اختلفت أشكال عدم الاكتراث. الاهتمام ضعيف؛ صحافياً ونقدياً وأكاديمياً وحتى من وكلاء الفنانين، مقارنة بحيوية التجارب الفنية التي تظل تنتظر فرص اللمعان في فعاليات متباعدة".