وكلمة "ماجل" يقصد بها منشأة لتخزين مياه الأمطار؛ وهو عبارة عن حفرة تتسع في الأسفل وتضيق تدريجياً نحو الأعلى فهو شكل مشابه لشكل القارورة، ويتراوح عمق الماجل بين 4 و6 أمتار فأكثر.
وعادة ما يلجأ أصحاب الماجل في كل بيت صفاقسي لاستعمال المياه المخزنة في فصل الصيف، حين ترتفع درجة الحرارة حيث يتم رش المياه في وسط البيت لتلطيف الجو جراء قيظ الحرّ، ولغسل الثياب والأغطية التي تستعمل في الشتاء.
وتحيط بهذه المنشأة "سطحة"؛ وهي مساحة مسطحة ومجاورة للماجل تتجمع فيها مياه الأمطار ثمّ تنساب داخل الماجل، وعندما يكون الماجل داخل المنزل أو محاذياً له يأخذ سطح المنزل دور "السطحة" لتتجمع فوقه مياه الأمطار، ثم تنزل بواسطة ميزاب يربط السطح بالماجل.
والميزاب هو شكل أسطواني من البلاستيك أو الحديد، يستعمل لتوجيه تدفق مياه الأمطار المتراكمة على الأسطح نحو الماجل أو إلى الخارج، في صورة عدم وجود ماجل ومنعها من الانحدار على طول الجدران وإلحاق الضرر بالأساسات.
ويتكون الماجل عادة من ثلاثة عناصر مهمة وهي ''المسقى'' أو "السطحة"، و"الدخالة" التي يدخل منها الماء، و"الخراجة" التي تخرج منها المياه الزائدة عن طاقة استيعاب الماجل.
وتتواجد المواجل بأعداد كبيرة بمحافظة صفاقس التونسية حتى أنك تكاد تجد في كل منزل ماجلاً ممتلئاً بمياه الأمطار، حسب ما أفاد به عبد الرزاق بوجلبان لـ "الأناضول".
ويحفر الماجل بطريقة يدوية تقليدية لم يطرأ عليها تغيير كبير منذ عقود خلت، حسب ما أفادنا به عبد الرزاق بو جلبان المتخصص في حفر المواجل.
ويوضح بوجلبان أنه "لا يكاد يخلو بيت واحد في محافظة صفاقس من وجود الماجل الذي يحفر بطريقة مدروسة ومتوارثة جيلاً عن جيل، حيث تنطلق عملية الحفر بشخصين يقومان في البداية بحفر مترين مربعين بواسطة المعاول وعند الوصول إلى العمق المحدد، يبقى أحدهما داخل الحفرة ويخرج الثاني لإنزال "الشارية" (وهي أداة يعبأ بداخلها التراب) بواسطة آلة الإنزال التي تسمى لدى التونسيين "البالانكو"، حيث تثبت هذه الآلة في وسط عدد من الأخشاب المتينة التي توضع في شكل مثلث يبنى فوق الحفرة أو بشكل متعامد معها".
ويلتف حول "البالانكو" حبل تربط في نهايته "الشارية" ويترك الحبل لتنزل الشارية داخل الحفرة، وعند ملئها بالتراب بواسطة المجرفة يقوم من خارج الحفرة بشد الحبل وجذبه نحو الأعلى، ومن ثم تلقى الشارية وإفراغ ما بها من تراب، وتتكرر هذه العملية عدّة مرات حتى يصل عمق الحفرة ما بين 5 و6 أمتار، وقطرها في الأسفل ما بين 2.5 و 3 أمتار وفي كل 1.5 متر من العمق يضاف عامل جديد إلى فريق العمل، حتى يبلغ العدد في نهاية المطاف 4 عمال فأكثر يتبادلون الأدوار فيما بينهم، بين الحفر وملء "الشارية" وجذبها نحو الأعلى.
وغالبا ما يربط العمّال قرابة عائلية، حسب ما جاء على لسان عبد الرزاق بوجلبان حتى يحافظوا على بقاء مهنة حفر المواجل لدى عائلات عرفت بممارسة هذه المهنة منذ عقود.
وعند الانتهاء من عملية الحفر التي تستغرق 20 يوماً فأكثر، وإخراج ما بداخل الحفرة من تراب يقع إنزال الحجارة، ومن ثم الإسمنت بواسطة "البالانكو" وتبدأ عملية البناء من الأسفل إلى الأعلى بإنجاز 1.5 متر كل يوم، بوضع الحجارة الواحدة بجانب الأخرى في شكل دائري وبين كل صف وصف من الحجارة يوضع الإسمنت للتثبيت الجيد ويترك ليجف.
وعند الانتهاء من البناء والذي يستمر من 3 إلى 4 أيام حسب بوجلبان، تبدأ عملية تبليط القاع بوضع قطع من الحجارة الصغيرة وترصيفها في القاع، ومن ثم سكب الإسمنت عليها وتلييسها بإحكام نظرا لأهمية القاع في احتواء الماء فيما بعد ومنع تسربه.
ويستمر فيما بعد تخليط الإسمنت والتراب والماء خارج الحفرة وإنزاله كالعادة سطلاً بسطل بواسطة "البالانكو"، لتبدأ عملية تلييس الجدار الدائري بالإسمنت بطريقة محكمة ومنتظمة حتى لا تترك بعض الشقوق أو الحفر التي قد يتسرب منها الماء فيما بعد، ويحدث أضراراً داخل الماجل تصل إلى حد إفراغ الماجل من الماء وتجفيفه ومن ثم إصلاحه.
ومع إتمام العمل داخل الماجل تتحول الأيادي إلى تبليط سقف الماجل، ومن ثم رفع الجدران أعلاه ببناء جدار مستدير أو مربع الشكل، حسب طلب الحريف يرتفع عن سطح الأرض بمقدار متر واحد بالحجارة أو بالآجر ثم تلييسه، ووضع بوابة صغيرة في الأعلى تنزل منها "الركوة" (أداة تستعمل لغرف الماء من الماجل) لملء الماء الذي يدخل للماجل عبر عدد من "الميزابات" التي تربط من جهة بسطح المنزل، ومن جهة أخرى بجوانب في أعلى جدار الماجل.
كما يوضع على مستوى الأرض "ميزاب" آخر يربط الماجل بالخارج حتى إذا امتلأ الماجل بالماء لا يبلغ أعلى السطح، ويخرج عبر ذلك الميزاب تجنباً لتصدع الماجل أو فيضان الماء بداخله
وأوضح بوجلبان أن "هناك نوعين من المواجل منها المستدير ومنها المربع الشكل، وتبقى المواجل مستديرة الشكل الأفضل لسهولة إصلاحها إذا ما تعرضت لشقوق عكس المواجل المربعة".
وختم بالقول: "يستمر العمل لإنجاز ماجل متكامل الخصائص ما يناهز الشهر ونصف، وتبلغ التكلفة الإجمالية لإنجازه 5 آلاف دينار (حوالي ألفي دولار)''.