وعقب الانقلاب الذي قاده تحالف الحوثيين مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في سبتمبر/أيلول 2014، بدأت الإمارات بالبحث عن حلفاء جدد في اليمن، وحرصت، في صناعة حلفائها، على الابتعاد عن التحالف مع الأحزاب السياسية نتيجة موقفها من العمل الحزبي وموقفها من الديمقراطية بشكل عام، خصوصاً أن الموقف هذا يستند إلى موقف القيادة الإماراتية المعادي لثورات الربيع العربي، والذي كان اليمن من أهم ساحاته عبر ثورة فبراير/شباط 2011، التي أدت إلى إبعاد صالح عن الحكم.
لهذه الأسباب، توجهت الإمارات بداية للتحالف مع القوى السلفية، التي تكفر بالديمقراطية وتؤمن بضرورة طاعة ولي الأمر. كما أنها قامت بدعم فصائل الحراك الجنوبي وتبني سياسة البراغماتية في طبيعة العلاقة بينهما. وتسعى الإمارات إلى تقوية الانفصاليين الجنوبيين عسكرياً. وتعمل على تأهيل عدد من أبناء وكوادر الجنوب في مختلف المجالات، إذ استضافت خلال العامين الأخيرين العشرات من الجنوبيين بغرض تدريبهم في مختلف الجوانب الاقتصادية والأمنية والعسكرية، لضمان توفير كوادر من الجنوب لإدارة المحافظات الجنوبية، من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يقوده عيدروس الزبيدي وشركاه، والذي اخترع الإماراتيون فكرته وقاموا بدعمه بصورة معلنة.
الإمارات تعتقد بأن تمكن مجلس الزبيدي من إدارة الجنوب سيضمن لها توسعاً سلساً لنفوذها في المناطق الساحلية والسيطرة على الموانئ اليمنية، وهو هدف استراتيجي لتدخلها في الجنوب اليمني. لكن ما يجعل شعار الانفصال الذي يرفعه المجلس الانتقالي في موقف ضعيف هو عدم المساندة من قبل مجلس التعاون لدول الخليج العربي، الذي جدد مواقفه الثابتة تجاه وحدة وسيادة الجمهورية اليمنية والحفاظ على أمنها واستقرارها. كما دعا مجلس التعاون الخليجي حين إعلان "المجلس الانتقالي"، إلى "إعادة الأمور إلى نصابها حتى يتسنى للشعب اليمني الشقيق استكمال تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل، والتي عالجت القضايا اليمنية كافة، بما في ذلك القضية الجنوبية"، مشدداً على أن جميع التحركات لحل هذه القضية يجب أن تتم من خلال الشرعية والتوافق اليمني الذي مثلته مخرجات الحوار. وبعد الإعلان عن نفسه، تلقى المجلس الجنوبي الانتقالي أولى الضربات من الداخل، إذ تسابق عدد من أعضائه الــ 26 إلى إعلان انسحابهم منه مؤكدين أنه تم الزج بأسمائهم من دون علمهم، وأنهم يقفون في صف الشرعية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي. ولعل خضوع المجلس الانتقالي الجنوبي، ونقل مكان الفعالية التي نظمها يوم 7 يوليو/ تموز الحالي، يثبت أنه لن يتجه نحو المواجهة إذ أدرك أن الحكومة الشرعية وفصائل جنوبية مساندة لها لا تزال حاضرة بقوة، فالمجلس الانتقالي يبقى مجرداً من أي أدوات تمكنه من ممارسة فعل وتأثير حقيقي على الأرض، على الرغم من أنه قضى شهوراً متنقلاً ما بين الرياض وأبوظبي وعواصم أخرى في زيارات، قال إنها لحشد الدعم لوجوده وعمله، لكن الوقائع أثبتت أن من يتحدث عن لزوم الشراكة مع قيادات "الانتقالي الجنوبي" لم يمنح هذه القيادات أكثر من مجرد كلام بحسب المطلعين. وقد ظهرت مواقف المجلس، التي عبر عنها الزبيدي متناقضة، ما يدل على غياب المشروع والرؤية الموحدة، في حين أكد الزبيدي على الحق بإقامة دولتهم في الجنوب وشدد أيضاً على تأييد شرعية هادي.
في المقابل يرى بعض المحللين السياسيين أن شعار الانفصال يبقى مجرد فزاعة تستخدمه بعض الأطراف كورقة ضغط سياسي، خصوصاً أن الإمارات تجد نفسها ملزمة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي تنص على الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، وباعتبارها من الدول الراعية للمبادرة فمن واجبها الالتزام بوحدة اليمن والوقوف في وجه مشاريع التفكيك. كما أن مجلس الأمن الدولي شدد في أكثر من مناسبة على التزام كافة أعضاء المجلس بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلاماته الإقليمية.
كذلك تهدف دول التحالف إلى بقاء اليمن موحداً من أجل حماية الأمن الإقليمي. كما أن الطرف الذي يرفع مطلب فك الارتباط بات عاجزاً عن تحقيق هدف الانفصال لأسباب داخلية وخارجية، ومن وجهة نظر كثيرين، فإن قرار تعيين عبد العزيز المفلحي محافظاً جديداً لعدن خلفا للمُقال عيدروس الزبيدي كان قراراً من شأنه إضعاف المجلس الانتقالي الجنوبي، إذ يعد المفلحي من ذوي الخبرة في الإدارة، ومن الشخصيات المقبولة والنافذة كونه ينتمي إلى منطقة يافع، التي تمثل أحد مراكز النفوذ وذات تأثير مناطقي مؤثر في عدن، إذ إن المفلحي تمكن من اختراق فصائل في الحراك الجنوبي وجعل مواقفها تنحاز للشرعية، وعبرت عن ذلك في حضورها ساحة العروض في فعالية 7/7 التي نظمتها الحكومة الشرعية.
ورغم أن طريق المحافظ الجديد لن يكون مفروشاً بالورود، وتم منعه من دخول مبنى المحافظة، فإن مصادر خاصة بــ العربي الجديد"، أكدت أن قوات الشرعية عرضت عليه الدخول لمبنى المحافظة والذي تسيطر عليه مجاميع مسلحة تتبع عيدروس الزبيدي بالقوة إلا أنه رفض ذلك، وقال إنه سيدير العاصمة من أي مكان في المحافظة من دون أن يتوجه إلى العنف.
في المقابل يؤكد محللون أن الإمارات تسعى إلى مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وإضعافها في تلك المحافظات، التي تسيطر عليها من خلال هذا الكيان، الذي يستغل القضية الجنوبية ويوظفها لتمرير أجندة إمارتية، وهو الدور المناط لما بات يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي القيام به.
وتستفيد الإمارات في تمرير هذا الهدف من استغلال حالة السخط الشعبي في المحافظات الجنوبية ضد التجمع اليمني للإصلاح "جناح الإخوان المسلمين في اليمن"، نتيجة الدور الذي أداه الإصلاح في حرب صيف 94 والتي قام فيها ما يسمى بتحالف الشرعية آنذاك والمكون من تحالف صالح والإخوان المسلمين باجتياح الجنوب عسكرياً تحت مبرر حماية الوحدة اليمنية، وهي الحرب التي لا تزال آثارها حاضرة حتى اليوم.
في غضون ذلك، شهدت الأيام الماضية تراجعاً في تشدد "المجلس الانتقالي" تجاه إدارة المناطق الجنوبية، وجعل ذلك مشروطاً في حال استمرار تدهور الأوضاع الخدمية، وفشل حكومة الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، في الإيفاء بالتزاماتها.
كما تغير خطاب الانتقالي وأصبح أقل حدة بعد الفعالية الأخيرة الجمعة الماضية، وقال، في المؤتمر الذي تناوب رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي ونائبه، هاني بن بريك، على الإجابة على الأسئلة، إنه لا يزال "يعترف بشرعية هادي شريطة مراعاتها لواقع جديد بدأ يتشكل في الجنوب بعد تأسيس المجلس، الذي لا بد من الاعتراف به"، مستبعداً حدوث صدام مع القوات الموالية لهادي في هذه المرحلة.