مؤسسة الإنتاج السورية... الكاميرا في بلاد أُخرى

22 اغسطس 2019
من مسلسل البيئة الشامية "طوق البنات" إنتاج 2016 (فيسبوك)
+ الخط -
مطلع التسعينيات، شكلّ "قطاع الإنتاج" في مصر مساحة حقيقية لإنتاج عشرات الأعمال الدرامية، وبحضور نجوم الصف الأول، قبل أن تقتحم الفضائيات المشهد الدرامي العربي، ويدخل الإنتاج الخاص على الخط. وفي حين ساعد وجود مدينة إنتاج إعلامي في القاهرة في الحفاظ على سوية معقولة للإنتاج الدرامي حكومياً، كان الوضع في سورية معقداً للغاية؛ فلم يستثمر في الدراما إلا رجال أعمال مقربون من النظام، وموجهون منه، بدءاً بعبد الحليم خدام في شركة "الشام" للإنتاج الفني، التي أنتجت مسلسلاً استثنائياً في الدراما السورية "نهاية رجل شجاع"، وصولاً إلى سامر فوز في شركة "إيمار الشام". 

وبين الشام وإيمار، ثلاثة عقود من الزمن تبدلّ فيها سوق الإنتاج في سورية وغدا حقلاً فاسداً بين شركات مموهة لا تعرف هويتها أو تمويلها، تنتج أعمالاً سيئة على مرأى الحكومة، وقطاع إنتاجي مهترئ يفتقد للمقومات الأساسية. فسورية البلد الذي ينتج دراما بشكل كثيف تخطّى في سنوات حاجز الخمسين مسلسلا سنوياً، لا تمتلك استديوهات خاصة بالإنتاج، ويجري تصوير تسعين بالمائة من أعمال البيئة الشامية في موقع تصوير خارجي ثابت مع الاستفادة من البيوت الدمشقية القديمة لتصوير المشاهد الداخلية.

وحيث يتحكم الأمن في مواقع التصوير وطبيعة المناطق المصرح التصوير فيها، تغيب أجزاء كبيرة من البيئة السورية بجغرافيتنا المتنوعة عن الدراما. فلا تتجاوز عدد الأعمال الدرامية التي خرجت إلى الأرياف السورية خارج دمشق حاجز العشرة أعمال في أكثر من خمسين سنة من الإنتاج الدرامي.

أما الأكثر تخبطاً، فيأتي عبر الفساد المتزايد في القطاع الحكومي منذ تأسيس المديرية العامة للإنتاج التلفزيوني، والتي تغير خطتها بشكل مستمر مع كل مدير جديد يقدم إليها. فيحول ساحة الإنتاج في سورية إلى دائرة حكومية تعاني من فكر مدير جديد يقوم على نسف كل ما فعله المدير الذي سبقه، وفي إدارة المدير الحالي زياد الريس نلحظ حجم التعنت الكبير في إمساك زياد بزمام الأمور وتصدير نفسه على أنه مخلص الدراما السورية من تعثّرها الطويل منذ بداية الثورة السورية. فتستمر عمليات السرقة عاماً تلو الآخر تحت ما أسماه الريس مشروع "خبز الحياة"، والذي تتغير ماهيته وأهدافه مع كل موسم من دون معرفة أو ملاحظة ما قدم هذا المشروع على الأرض، بل باعتراف الكثيرين من الوسط الفني عن فشل إدارة زياد للمشروع وعدم تقبّله لإحداث التغيير المطلوب.

وفي مسلسل "حارس القدس" الذي يجري الحديث عنه منذ عام خير مثال، فبعد جدل أسابيع حول اسم بطلة المسلسل وانسحابات متكررة من الدور لممثلات في طور النجومية، مثل كندا حنا وديمة قندلفت، جاء الانسحاب الأكبر بتخلي الفنان غسان مسعود عن دور المطران الرئيسي في المسلسل، بعد أشهر من الارتباط بالدور، وحديث مسعود عنه في المقابلات والتحضيرات المتواصلة للشخصية. حيث جاء انسحاب مسعود بعد مراوحة المسلسل مكانه من دون انطلاق عمليات التصوير، وتلميح مؤسسة الإنتاج إلى الكلفة العالية التي سيتطلبها المسلسل، ما يتطلب حجب النفقات عن باقي الأعمال ولو ألغيت وبقي المسلسل الوحيد المنتج حكومياً لموسم رمضان 2020.


وفي الحديث عن الانسحابات، سخط الممثلون على الأجور المادية التي لا تناسب شهرتهم ولا توفي حقهم في عمل تاريخي يتطلب الكثير من الجهد والتفرغ لإنجازه. فهل يقصم "حارس القدس" ظهر مؤسسة الإنتاج الحكومية في سورية ويعلن فشلها علانية في صناعة مسلسل مترابط تتوفر فيه كافة العناصر الإنتاجية من إمكانيات مادية وممثلين، هذا إذا ما اعتبرنا أن المسلسل بيع بعد الانتهاء من التصوير ورد التكلفة الإنتاجية العالية التي سترصد له.
المساهمون