مؤتمر كراهية في عيد الحب

15 فبراير 2019
+ الخط -
هل يبدأ سلام الشرق الأوسط من وارسو التي اندلعت منها شرارة الحرب العالمية الثانية في العام 1939؟ لا يبدو الحال مُبشراً بذلك، لمن راقب مجريات مؤتمر فَرَّق في عيد الحب باقات من الكراهية، امتدت من برلين إلى طهران، ومن موسكو إلى رام الله. قبل الخوض في مخرجات المؤتمر، أو الأسباب الحقيقية لتنظيمه بهذه العجلة اللافتة، لا بد من التساؤل عن حكمة عقده في وارسو، العاصمة التي تبدو أقرب إلى واشنطن منها إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي. يبدو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب أرادت أن توجه من هناك رسائل عدة إلى أكثر من طرف، لا في الشرق الأوسط وحسب، ولكن إلى ما هو أبعد من ذلك.
الرسالة الأولى موجهة إلى روسيا. في الجوهر، أرادت واشنطن إخراج روسيا من ملف الصراع العربي- الإسرائيلي، وإبعادها أيضاً عن ملف المواجهة مع إيران، لا سيما وأن موسكو لا ترى أي مبرّراتٍ لافتعال تلك المواجهة. وضمن هذه الحسابات الأميركية، لا مكان أنسب من وارسو لإقصاء موسكو التي تشهد علاقاتها مع بولندا توتراً بعد اقتراح الأخيرة على الولايات المتحدة إنشاء قاعدة عسكرية دائمة على أراضيها، آخذة على عاتقها التكاليف التي تقدّر بحوالي ملياري دولار، وترى موسكو في هذا الاقتراح تهديداً لأمنها القومي. أضف إلى ذلك تباعد الموقفين، الروسي والبولندي، في ما يخص الملف الأوكراني. من جانبها، ترى موسكو في تصرّف الولايات المتحدة تفرّداً وفرضاً لمصالحها الجيوسياسية الأحادية الجانب، لأن أجندة مؤتمر وارسو سُخرّت، بشكل أساسي، لخدمة السياسة الأميركية، كما قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وربما هذا يُفسر غياب موسكو عن المؤتمر.
أما الرسالة الثانية، فموجهة إلى برلين التي تطالبها وارسو بـ850 مليار دولار تعويضاتٍ عن أضرارٍ لحقت بها، بسبب ما اقترفته ألمانيا إبّان العهد النازي في البلاد. وتود الإدارة الأميركية أيضاً تثبيت حلفٍ تسميه "حلف وارسو"، لا سيما بعد دعوات ألمانية - فرنسية باتجاه تشكيل جيش أوروبي موحد، ترى فيه واشنطن بديلاً لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وكما هي علاقات واشنطن مع باريس وبرلين، تعتبر العلاقات البولندية متوترةً وغامضةً مع ألمانيا وفرنسا، والاتحاد الأوروبي عامة، إلى حد دفع رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، للقول إن بولندا اليوم تمثل قوة معادية للاندماج في هذا الجزء من أوروبا. ويتفاعل التوتر بين وارسو والاتحاد الأوروبي، منذ تولي اليمين الشعبوي حكم البلاد في العام 2015. وقد عبّر الخلاف البولندي مع برلين وباريس عن نفسه على لسان وزير الداخلية الإيطالي اليميني المتطرّف، ماتيو سالفيني، الذي دعا، من وارسو، الشعوبيين في أوروبا إلى إطلاق شرارة "ربيع أوروبي"، لكي يحلوا محل يمين الوسط الحاكم في ألمانيا وفرنسا.
وإن وجّهت الإدارة الأميركية رسائل غير مباشرة إلى أطرافٍ دوليةٍ ناعمة، فإن نتائج المؤتمر وجهت حِزَماً من الكراهية باتجاه دول أخرى، لا سيما إيران. في عيد الحب، فتحت الإدارة الأميركية بازار كراهية لتشكيل "حلف وارسو" جديد ضد إيران، وفتح مزيد من قنوات التطبيع العلني بين الكيان الصهيوني وعواصم عربية، على طريق تمرير صفقة تصفية القضية الفلسطينية. في الملف الإيراني، تسعى واشنطن إلى حشد حلف عالمي، تمهيداً لتوجيه ضربات، ربما تكون عسكرية، لطهران. وفي ملف الصراع العربي الإسرائيلي، تسعى إدارة ترامب إلى تمزيق الصف العربي، لصالح بناء تحالف عربي - إسرائيلي في مواجهة إيران.
في عيد الحب، أرسلت إدارة دونالد ترامب - جاريد كوشنير- جيسون غرينبلات باقات كراهيةٍ للشعب الفلسطيني بتشديد الحصار المالي والسياسي عليه، مع إقصاءٍ متعمدٍ لممثله الشرعي والوحيد عن المؤتمر. عن وارسو غُيب الفلسطيني، الطرف الأهم في معادلة السلام في الشرق الأوسط، حتى يسهل القفز عن حقوقه. وفي وارسو، نُثر الورد أمام بنيامين نتنياهو. بمؤتمرٍ كهذا لن تكون وارسو إلا بوابة حربٍ إقليميةٍ جديدةٍ يتعدّى شررها الشرق الأوسط، لتدخل بذلك التاريخ مُجدّداً، عاصمة للحرب لا السلام.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.