مؤتمر باريس يعكس ارتباك "التحالف" في قتال "داعش"

04 يونيو 2015
لم يتوافق التحالف إلا على مواصلة الضربات (الأناضول)
+ الخط -

اجتمع وزراء ومسؤولون من 24 دولة في العاصمة الفرنسية، أول من أمس، مرة جديدة، للبحث في استراتيجية "التحالف الدولي" لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي ينتشر ويتمدد في العراق وسورية وليبيا ويجند مقاتلين من أصقاع الأرض كافة، بينما يراوح المجتمع الدولي في مربع المؤتمرات والبحث عن استراتيجيات لم تتجاوز مرحلة تقديم الدعم السياسي والعسكري للجهات والأطراف التي تقاتل "داعش"، ومحاولة تجفيف منابع "التنظيم" المالية، ومواجهة أيديولوجيته الإرهابية.

اقرأ أيضاً مؤتمر باريس: العبادي يتظلّم وفرنسا توصيه بمعالجة الخلل الطائفي 

وفيما يبدو أنه اجترار لما قررته الاجتماعات المتعاقبة للتحالف الدولي، أكد اجتماع باريس الأخير، أن استراتيجيته الجديدة تقوم على عنصرين رئيسيين، أولهما الالتزام بحملة جوية "طويلة الأمد" كي يتمكن من هزيمة "داعش"، وثانيهما تقديم المزيد من العتاد والأسلحة للقوات العراقية في جبهة القتال ضد التنظيم. وبدا الأمر وكأنه "قص ولصق" من بيانات صدرت عن اجتماعات سابقة للتحالف، إذ أوضح وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، أن جزءاً من استراتيجية التحالف للقضاء على "داعش" تتطلب من العراق تعزيز وحدته والمصالحة الوطنية، مشدداً على أن "الاستراتيجية العسكرية لا يمكن فصلها عن تنفيذ سياسة المصالحة الوطنية في العراق".

وعلى الرغم من أن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم 60 دولة عربية وأجنبية، شن منذ سبتمبر/أيلول الماضي قرابة أربعة آلاف غارة جوية، وتمكن، حسب وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في يناير/كانون الثاني الماضي، من القضاء على 50 في المائة من قيادات "داعش" واستعادة مصادر النفط التي كانت في يد التنظيم، غير أن الحقائق على الأرض تكشف عن واقع مغاير، إذ إن "داعش" بات يسيطر على نحو نصف مساحة سورية ويواصل توسعه شمال حلب. وفي العراق، يبسط نفوذه بشكل شبه كامل على الأنبار ونينوى ويواصل القتال في صلاح الدين، هذا فضلاً عن المعابر الحدودية الاستراتيجية وأهم حقول النفط والغاز. كما كشف تقرير أممي أن نسبة المنضمين إلى "داعش" خلال الأشهر التسعة الأخيرة زاد بنحو 70 في المائة، وأن أكثر من 25 ألف مقاتل أجنبي قدموا إليه من نحو 100 دولة.

وتبين قراءة مخرجات اجتماع باريس، أن استراتيجية التحالف لا تختلف كثيراً عن قطعة الجبنة السويسرية، فهي "طرية" ومليئة بالثقوب. فالتحالف الذي لم يتوافق إلا على مواصلة الضربات الجوية لمواقع تنظيم "داعش" في العراق، لم يدرك بعد أن غاراته الجوية لن تقوى على حسم حرب "طويلة الأمد"، بل إن مثل هذه الاستراتيجية ستمنح المزيد من الوقت لتنظيم "داعش" للتمدد والتجذر. وكما يبدو، فإن التحالف الدولي متردد في مواجهة "داعش"، وعاجز، أيضاً، أمام مواجهة بعض أعضائه غير الملتزمين بـ"استراتيجيته" لا سيما لجهة تجفيف موارد ومنابع الإرهاب. وهو ما دفع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي الى مكاشفة الحاضرين في مؤتمر باريس بقوله إن "داعش" "مشكلة دولية، ونحتاج إلى أن يعمل التحالف سياسياً، وإلا فما معنى أن يتدفق لقتالنا في العراق مقاتلون من السعودية والخليج، ومن مصر وسورية وتركيا ومن دول أوروبية"، على حدّ تعبيره.

أما الأمر الآخر الذي يزيد من ارتباك التحالف الدولي، فيتعلق بعدم توافق الدول المنخرطة في التحالف على كيفية مواجهة "داعش" في العراق دون مدّ العمليات الى مواقع التنظيم وقوافله في الأراضي السورية. إذ إن بعض دول التحالف ترى أن إضعاف "داعش" في سورية يقدم دعماً للنظام.

في المقابل، ترى دول أخرى أن اقتصار العمليات العكسرية ضد مواقع "داعش" في العراق لا يعتبر منطقياً، لأن خطوط إمداد التنظيم تمتد عبر الحدود والأراضي السورية، وبالتالي لا يمكن القضاء على التنظيم في العراق دون قطع خطوط إمداده، وتدمير خطوطه الخلفية في العمق السوري.

وفي ما يتعلق بالوضع في سورية، يظهر ارتباك التحالف الدولي بشكل جلي؛ ففيما دعا المشاركون في اجتماع باريس الى تبني حل سياسي مدعوم من الأمم المتحدة ويستند إلى وثيقة جنيف، دون التطرق الى مصير أو موقع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في هذا الحل، أكد وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، مجدداً أن الأسد هو جزء من المشكلة، ولا يمكن أن يكون جزءاً من الحل.

يعزّز هذا الارتباك الذي تكشف عنه الاجتماعات المتتالية للتحالف الدولي، من شكوك المراقبين في جدوى جهود "التحالف الدولي"، التي انطلقت منذ عام تقريباً، وإمكانية إحرازها أي تقدّم استراتيجي على طريق القضاء على "داعش"، إذا ما ظلت هذه الجهود في حدود القصف الجوي لمواقع "داعش" وأرتاله المؤلّلة، من دون المشاركة في المواجهات البرية، التي تُركت للقوات العراقية وقوات البشمركة والفصائل الطائفية والعشائرية الأخرى. ويرى المراقبون أن "التحالف الدولي" واجتماعاته المتعاقبة، وآخرها مؤتمر باريس، تكشف مجدداً عن تخبط وارتباك دولي لن ينتصر على خطر يتمدد عبر الحدود بسرعة مثيرة. ويرجح المراقبون أن إضاعة "التحالف الدولي" للمزيد من الوقت في المزيد من المؤتمرات وخلايا العصف الذهني، يعني تكريس "دولة داعش" واقعاً قد لا يجد التحالف مناصاً من التفاوض معه، وربما في مؤتمر دولي تستضيفه لندن أو باريس قريباً.

اقرأ أيضاً: كردستان تهاجم العبادي لعدم إشراكها في مؤتمر باريس

المساهمون