ليس من المبالغة القول إن أي اتفاق يتخذ في مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ الذي ينطلق اليوم في العاصمة الفرنسيّة، لن يكون سارياً إلا إذا وافقت عليه الدول العظمى الملوِّثة، وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة الأميركية، لتتبعها بدرجة أقل الهند والبرازيل. أما الدول الفقيرة، فغالباً ما تعدّ نفسها أولى الضحايا، وأنها ليست مسؤولة عنها إلا بشكل بسيط، وأحياناً ليست مسؤولة عنها على الإطلاق.
وتراهن فرنسا على روح "الإقناع" بدل "الإلزام" الذي قد يثير حفيظة بعض الدول، خصوصاً الولايات المتحدة. وتأمل التوصّل إلى موقف أقل طموحاً لكن أكثر فعالية في العالم الذي نعيش فيه. ويأتي هذه المؤتمر في وقت ازداد فيه الوعي العالمي حول واقع كوكب الأرض وخطورة التغيّر المناخي، بالإضافة إلى مسؤولية الإنسان. لكن ما قد يلجم الحلول، هو أن القرارات السياسية لا تأخذ بعين الاعتبار المعطيات العلمية في هذا الإطار، بالإضافة إلى مخاطر خلوّ اتفاق باريس المأمول، من أي إجراءات للتحقق من التزامات الدول ومن أي إجراءات مُلزِمة. ولعلّ مثال بروتوكول كيوتو دليل على هذا الخلل. تجدر الإشارة إلى أن الفرنسيين، خصوصاً الرئيس فرانسوا هولاند، مصرّون على تجاوز فشل المؤتمر الأخير.
مؤتمر الأمم المتحدة الواحد والعشرون لتغيّر المناخ (أو مؤتمر الأطراف) الذي يُعقد بعد الأحداث الإرهابية الدامية التي عرفتها العاصمة الفرنسية (13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015) والتي ما زالت آثارها ظاهرة، يؤمّن حمايته 11 ألف شرطي ودركي. ومن بين الإجراءات المتخذة، حظر التظاهرات ووضع 24 ناشطاً بيئياً تحت الإقامة الإجبارية قبل أن يفرَج عنهم بقرار رئاسي قبل نحو 36 ساعة من انطلاق أعمال المؤتمر.
يستمر المؤتمر لغاية 11 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، إلى حين التوصل إلى اتفاق ما، الأمر الذي سيُعدّ انعطافاً تاريخياً مهماً. أما في حال الفشل، فالأمر "بالغ الخطورة" كما حذّر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس. هو رأى في الفشل "نهاية للمفاوضات العالمية حول المناخ". ويشدد المسؤولون الفرنسيون، خصوصاً الرئيس هولاند، على أن هذا المؤتمر سيناقش التغيّر المناخي ولن يكون "قمة حول الإرهاب". بالتأكيد، لا يتعلق الأمر بالبيئة فقط، وإنما بمسألة "الغذاء وصحة البشرية ومسائل الهجرة والفقر والحرب أو السلام"، بحسب فابيوس الذي أكد أن التوصل إلى اتفاق دولي (يدخل حيز التنفيذ في عام 2020) سوف يكون "بارقة أمل حقيقية في سياق مظلم". وقد أوضح أن "هذا النجاح لن يتم إلا إذا حصل اتفاق شامل ومُلزِم قانونياً بين 195 دولة، للحد من انبعاث الغازات". يُذكر أن فرنسا والصين كانتا قد اتفقتا في بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني على اتفاق ملزم قانونياً، لكنه سرعان ما لقي صدّاً بعد أسبوع من الإعلان عنه، من قبل وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي شدد على أنه "لن تكون أهداف التقليص مُلزِمة بصفة قانونية". وهو ما يعني للمراقبين أن حكومة الرئيس الأميركي باراك أوباما تأخذ بعين الاعتبار "استهزاء الأغلبية الجمهورية بقضية المناخ".
تحت مظلة المؤتمر الواحد والعشرين لتغيّر المناخ في باريس - لو بورجيه، تجتمع 195 دولة و150 رئيس دولة وحكومة و45 ألف مشارك، والهدف الرئيس "الحدّ من الاحتباس الحراري الذي تعانيه الأرض". لكن السؤال يُطرح: هل تنجح الأطراف في التوصل إلى اتفاق ملزم أم لا؟ هنا المشكلة. وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد دعت إلى اتفاق دولي ملزم في نهاية هذا المؤتمر، بكل ما يتطلبه الأمر من آليات مراقبة إلزامية في القانون الدولي، حتى يكون هذا القرن الذي نعيش فيه قرن "التخلص من الكاربون". لكن هذه الرغبة الألمانية التي تكشف عن وعي ألماني بيئي يتجاوز ما هو عليه في بقية العالم، والتي يتشاركها الفرنسيون أيضاً، تصطدم بمقاومة أميركية دائمة. وقد استبق الكونغرس بالفعل هذا الاحتمال، عندما صوّت على قرار يعارض أي "اتفاق ملزم بصفة قانونية".
لكن، كما يجمع المراقبون، لا أحد يتصور اليوم، أن ترفض إحدى الدول الملوِّثة الكبرى (الولايات المتحدة الأميركية والصين والهند والبرازيل) التوقيع على اتفاق عالمي، ما دام الهدف منه التوصل إلى أول اتفاق شامل حول المناخ. على الرغم من تردّد الهند، إلا أنه لا يمكن تصوّر تخلفها عن التوقيع، كذلك الأمر بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، التي يعدّ موقفها ضرورياً لإنجاز أي اتفاق.
اقرأ أيضاً: نخاف من المستقبل
ومثلما يوجد أمل في تحقيق اختراق إيجابي في هذا المؤتمر، خصوصاً بعد فشل المؤتمرات السابقة، فإن الفشل أيضاً ليس مستبعداً. ويُعوّل هنا كثيرون على العاطفة بعد الأحداث الأليمة التي شهدتها باريس، والتي تمثلت في إصرار كثيرين من كبار قادة العالم ومنهم أوباما على الحضور، في حين راحت تستعد منظمات المجتمع المدني والنقابات لتحقيق إنجاز ما. ومن العوامل التي تدفع إلى الأمل في تحقيق نجاح في مؤتمر باريس، هو العمل الجبار الذي أنجزه العلماء في تفسير الظواهر المرتبطة بالتغيرات المناخية، من جفاف وأمطار وفيضانات حادة، بالإضافة إلى درجات الحرارة الاستثنائية التي عرفها كوكب الأرض في عام 2014 والمرشحة للتفاقم هذا العام.
ويرتكز الفرنسيون في تفاؤلهم على أن 183 دولة من بين 195، وهي نسبة غير مشهودة من قبل، تعهدت بالعمل على الحد من انبعاثات الغازات التي تمثل 95 في المائة من الانبعاثات العالمية. كذلك فإن بعض الدول المترددة في السابق كالصين والولايات المتحدة، قد عبّرت بشكل صريح عن انخراطها في الأمر. ومن بين الإشارات الإيجابية التي سبقت انطلاق المؤتمر، ما كشف عنه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو عن تخصيص مبلغ مليارَي دولار على خمس سنوات، لمساعدة الدول النامية من أجل مكافحة التغير المناخي.
أما الشركات العالمية فقد عبّرت عن رغبتها في إنجاح هذا اللقاء التاريخي، فبادر رئيس "مايكروسوفت" السابق بيل غيتس إلى استثمار مليارَي دولار في التكنولوجيات الخضراء غير المُلوِّثة. كذلك تعهّدت 39 من كبريات الشركات والمقاولات الفرنسية بالعمل على الحد من انبعاث الغازات، وهو ما يترجم عبر استثمار مبلغ 170 مليون يورو (أكثر من 180 مليون دولار) في هذا المجال لغاية سنة 2020.
وعلى الرغم من الأجواء المتفائلة، يبقى أنه لو أخذنا بالاعتبار أن كل البلدان تحترم تعهداتها للحد من انبعاث الغازات، فإن كوكب الأرض لن يحقق إلا ثلاث درجات حتى عام 2100. كذلك، لا يمكن إغفال أن المصالح متضاربة بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة، وهذا الاختلاف العميق هو الذي أفشل المؤتمرات السابقة.
تجدر الإشارة إلى أن دول العالم تعيش أوضاعاً مقلقة غير متشابهة. جزر المالديف مثلاً مهددة بالغرق في البحر، على الرغم من أنها من أقل الدول تلويثاً. وتختلف أوضاعها عن أوضاع دول أخرى صاعدة ما زالت تعتمد بشكل رئيسي على الفحم الحجري، وتُعدّ أكبر ملوّث في العالم. بنغلادش مثلاً تتهددها المياه، وهو ما يعني أن ثلث البلد سيختفي في عام 2050 إذا لم تؤخذ أي خطوات جدية. في إندونيسيا مثلاً، تسجّل عمليات استئصال مستمرة للغابات، أما الهند فممزّقة بين ضرورة تطوير صناعتها وبناها التحتية بما فيها شبكات الاتصالات والكهرباء وبين الحدّ من انبعاثات الكربون. من جهتها، تعاني دول في أفريقيا كالسنغال، من جفاف رهيب وتصحر وفي الوقت نفسه من الفيضانات. أما البرازيل التي تخبر أسوأ موجة جفاف في تاريخها منذ 35 عاماً، تتعهّد بالعمل من أجل إنجاح المؤتمر وحماية كوكب الأرض. وذلك من خلال العمل لغاية عام 2025، على الحدّ بنسبة 37 في المائة من الانبعاثات الملوِّثة، وبنسبة 43 في المائة لغاية عام 2030، بالمقارنة مع مستوى عام 2005. يُذكر أن البرازيل تملك 13 في المائة من الثروات الطبيعية العالمية، في حين تعاني من شح المياه الصالحة للشرب، وتسجّل ارتفاعاً في نسبة اجتثاث الغابات فيها هذا العام بنسبة 16 في المائة، علماً أن وقف اجتثاث الغابات بكل أشكاله، أمر ملحّ وطارئ.
اقرأ أيضاً: نحن متجدّدون!