29 سبتمبر 2017
مؤتمر إسطنبول لفلسطينيي الخارج
لو استبدلت صفة "الخارج" بالصفة الأكثر أمانة وواقعية "الشتات"، لكان لصدى المؤتمر الذي عُقد أخيراً في إسطنبول وقعٌ آخر، لأن الشتات هو المعنى الحقيقي، بما يحمله من مأساوية، ولأنه انعكاس ساطع للحالة المتردية التي وصل إليها الشعب الفلسطيني، ليس في الخارج وحده، بل في الداخل. ولكن التفسير السيكولوجي للغة واستعمالاتها، وللمفردات ودلالاتها، يحيلنا إلى رغبة مستخدميها في تجاهل الواقع الفعلي للمعنى، وطموحهم في صنع صورة خاصة لما يريدون تقديمه للواقع وعن أنفسهم، فيلجؤون إلى نثر التراب، وهم يحسبونه ذهباً أمام الناس الذين جعلهم اليأس يلوذون بأي قشّة كالتي يلوذ بها الغرقى.
فوجئ فلسطينيون كثيرون بهذا المؤتمر الذي عُقد في إسطنبول، مثلما فوجئوا بمؤتمر دعم الانتفاضة الذي عقد في إيران الوليّ الفقيه. ومع ذلك، يقولون إن مؤتمر تركيا يمثل سبعة ملايين فلسطيني في الخارج، وإن الدعوة كانت مفتوحة، مثلما موائد الرحمن مفتوحة للصائمين الفقراء في رمضان.
في الحراكات الشعبية التي تقصد أهدافاً نبيلة، لا يستقيم النُبل وتزييف الوقائع وإخفاء الحقائق. يُنكر منظمو مؤتمر إسطنبول أن حركة حماس هي العقل المنظم والمدبر والممول والمنسق مع النظام التركي لهذا المؤتمر، على الرغم من أن الحقائق تكذّب ذلك، فعلى الأقل في لبنان، قامت بالدعوات إلى المؤتمر هيئات ومؤسسات تابعة لحركة حماس، وتحديداً مؤسستا ثبات و302، وهما تتبعان للحركة سياسةً وفكراً. وقد اتصلت المؤسستان بالذين يعتقدون أنهم أهلٌّ لحضور المؤتمر. ويقولون إن مصاريف حوالي ستة آلاف مشترك في المؤتمر من تذاكر سفر وإقامة، تكفّل بها المشاركون. وهذا يجافي الحقيقة، فمدعوون من لبنان، مثلاً، لا يملكون من أسباب العيش ما يجعلهم يضحّون بمصاريف سفر باهظة إلى تركيا.
على من يريد أن يبدأ بداية جديدة أن يكون واضحاً وصادقاً مع الشعب، فهذا الشعب عانى من تزييف الوقائع، طوال أكثر من خمسين عاماً، على الرغم من الشعارات الفضفاضة عن الحقيقة.
ويثير البيان الختامي للمؤتمر الأسى والسخرية في الوقت نفسه، فقد جاء ضمن سرد مهماتهم الوطنية التي لا تنازل عنها، وهي ليست أكثر مما طرحت الفصائل الفلسطينية منذ بداية الثورة الفلسطينية، قافزاً على الواقع السياسي المتغير في المنطقة والعالم والتغيرات، فيما يتعلق بطبيعة وسائل الصراع مع إسرائيل. وإذا كانت منظمة التحرير والفصائل، بكل طموحها الوطني قبل "أوسلو"، وبكل سلاحها وعملياتها العسكرية التي لا ينكرها أحد، ومع موازين القوى التي كانت لصالحها في أثناء الحرب الباردة، لم يستطيعوا أن ينجزوا خطوة واحدة ولو بسيطة من هذا البرنامج الوطني الطموح والعظيم، فمن هي الجهة التمثيلية التي يريدها مؤتمر إسطنبول التي ستنجز برنامج التحرير من النهر إلى البحر. يدعو البيان الشعب الفلسطيني ومؤسساته إلى الانضمام إليه، لتحقيق أهدافه، فارضاً نفسه بديلاً عن منظمة التحرير ومؤسساتها، على الرغم من جمود المنظمة وتلفها، وكأن الشعب الفلسطيني تنقصه انقسامات تتزعمها حركتا فتح وحماس ومحمد دحلان والفصائل اليسارية والإسلامية المرمية في أحضان إيران.
التصدي لنتائج هزيمة المشروع الوطني في "أوسلو" لا يعني إحداث انقسام جديد في الشتات، ويتطلب خروج "حماس"، راعية مؤتمر إسطنبول والفصائل الرافضة "أوسلو"، من مؤسسات "أوسلو" ووظائف السلطة التي يعتاشون منها. لا شيء يدعو إلى التفاؤل في مثل هذه المؤتمرات، فالواقع الفلسطيني المهزوم والواقع العربي المفتّت والتحولات في المواقف الدولية لا يحتاج إلى مزيد من تفتيت الشعب الفلسطيني في الخارج أو الداخل، ولا يحتاج إلى اختلاق الوهم لدى الفلسطينيين في الشتات الذين تفرّج الجميع على ذبحهم وتشريدهم في أصقاع الأرض في سورية ولبنان، ولم يحرّكوا ساكناً، لأنهم خارج معادلة الصراع على السلطة.
فوجئ فلسطينيون كثيرون بهذا المؤتمر الذي عُقد في إسطنبول، مثلما فوجئوا بمؤتمر دعم الانتفاضة الذي عقد في إيران الوليّ الفقيه. ومع ذلك، يقولون إن مؤتمر تركيا يمثل سبعة ملايين فلسطيني في الخارج، وإن الدعوة كانت مفتوحة، مثلما موائد الرحمن مفتوحة للصائمين الفقراء في رمضان.
في الحراكات الشعبية التي تقصد أهدافاً نبيلة، لا يستقيم النُبل وتزييف الوقائع وإخفاء الحقائق. يُنكر منظمو مؤتمر إسطنبول أن حركة حماس هي العقل المنظم والمدبر والممول والمنسق مع النظام التركي لهذا المؤتمر، على الرغم من أن الحقائق تكذّب ذلك، فعلى الأقل في لبنان، قامت بالدعوات إلى المؤتمر هيئات ومؤسسات تابعة لحركة حماس، وتحديداً مؤسستا ثبات و302، وهما تتبعان للحركة سياسةً وفكراً. وقد اتصلت المؤسستان بالذين يعتقدون أنهم أهلٌّ لحضور المؤتمر. ويقولون إن مصاريف حوالي ستة آلاف مشترك في المؤتمر من تذاكر سفر وإقامة، تكفّل بها المشاركون. وهذا يجافي الحقيقة، فمدعوون من لبنان، مثلاً، لا يملكون من أسباب العيش ما يجعلهم يضحّون بمصاريف سفر باهظة إلى تركيا.
على من يريد أن يبدأ بداية جديدة أن يكون واضحاً وصادقاً مع الشعب، فهذا الشعب عانى من تزييف الوقائع، طوال أكثر من خمسين عاماً، على الرغم من الشعارات الفضفاضة عن الحقيقة.
ويثير البيان الختامي للمؤتمر الأسى والسخرية في الوقت نفسه، فقد جاء ضمن سرد مهماتهم الوطنية التي لا تنازل عنها، وهي ليست أكثر مما طرحت الفصائل الفلسطينية منذ بداية الثورة الفلسطينية، قافزاً على الواقع السياسي المتغير في المنطقة والعالم والتغيرات، فيما يتعلق بطبيعة وسائل الصراع مع إسرائيل. وإذا كانت منظمة التحرير والفصائل، بكل طموحها الوطني قبل "أوسلو"، وبكل سلاحها وعملياتها العسكرية التي لا ينكرها أحد، ومع موازين القوى التي كانت لصالحها في أثناء الحرب الباردة، لم يستطيعوا أن ينجزوا خطوة واحدة ولو بسيطة من هذا البرنامج الوطني الطموح والعظيم، فمن هي الجهة التمثيلية التي يريدها مؤتمر إسطنبول التي ستنجز برنامج التحرير من النهر إلى البحر. يدعو البيان الشعب الفلسطيني ومؤسساته إلى الانضمام إليه، لتحقيق أهدافه، فارضاً نفسه بديلاً عن منظمة التحرير ومؤسساتها، على الرغم من جمود المنظمة وتلفها، وكأن الشعب الفلسطيني تنقصه انقسامات تتزعمها حركتا فتح وحماس ومحمد دحلان والفصائل اليسارية والإسلامية المرمية في أحضان إيران.
التصدي لنتائج هزيمة المشروع الوطني في "أوسلو" لا يعني إحداث انقسام جديد في الشتات، ويتطلب خروج "حماس"، راعية مؤتمر إسطنبول والفصائل الرافضة "أوسلو"، من مؤسسات "أوسلو" ووظائف السلطة التي يعتاشون منها. لا شيء يدعو إلى التفاؤل في مثل هذه المؤتمرات، فالواقع الفلسطيني المهزوم والواقع العربي المفتّت والتحولات في المواقف الدولية لا يحتاج إلى مزيد من تفتيت الشعب الفلسطيني في الخارج أو الداخل، ولا يحتاج إلى اختلاق الوهم لدى الفلسطينيين في الشتات الذين تفرّج الجميع على ذبحهم وتشريدهم في أصقاع الأرض في سورية ولبنان، ولم يحرّكوا ساكناً، لأنهم خارج معادلة الصراع على السلطة.