في هذا السياق، أفاد كل من مكتب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والكرملين في موسكو، بأن "أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ناقشا توسيع نطاق وقف إطلاق النار في أنحاء سورية، في اتصال هاتفي"، أمس الخميس. وأشارت مصادر متابعة إلى أن "الزعيمين ناقشا محادثات السلام في سورية المقرر عقدها في كازاخستان والعلاقات الثنائية". كما ذكر الكرملين بأن "بوتين ناقش التحضيرات لمحادثات سورية، مع رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف عبر الهاتف"، أمس.
بدوره، رأى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا، أمس، بأن "هناك التزاماً إلى حدّ بعيد بوقف إطلاق النار في سورية، على الرغم من بعض الاستثناءات، وأن المساعدات الإنسانية لم يسمح لها بعد بالدخول إلى المناطق المحاصرة حيث ينفد الغذاء".
من جهته، عبّر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، أمس، عن أمله في أن "تشمل المفاوضات حول سورية كل الأطراف المعنية بالملف السوري برعاية الأمم المتحدة في إطار جنيف". واعتبر أن "التراجع عن ضرب النظام السوري عام 2013 كان له الدور الأكبر في ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على الساحة".
في أنقرة، أفادت مصادر قريبة من المجتمعين بأن "المشاركين في الاجتماع هما الجانبان التركي والسوري فقط، ويبحثون سبل الرد على خروق النظام والمليشيات لاتفاق وقف إطلاق النار، ومسألة المشاركة في مؤتمر أستانة". وأوضحت أن "رئيس الاستخبارات التركي هاكان فيدان يشارك في الاجتماع، وسط تكتم على مناقشاته". وأضافت المصادر أن "الجانب السوري أعد ورقة لتقديمها إلى الروس عبر الأتراك، تتضمن تأكيد موقف الفصائل بعدم حضور مؤتمر أستانة، في حال مواصلة خرق اتفاق وقف النار من جانب النظام والمليشيات، إضافة إلى التمسك بالدور القيادي للمعارضة السياسية في إدارة المفاوضات، خلافاً لمسعى موسكو، بأن يمثل المعارضة وفد من الفصائل العسكرية".
في هذا الإطار، قال رئيس وفد المفاوضات المنبثق عن هيئة المفاوضات العليا العميد أسعد الزعبي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الأمور تبدو ضبابية فيما يخصّ التحضير لاجتماع أستانة"، مشيراً إلى أن "الهيئة العليا للمفاوضات ستعقد اجتماعاً اليوم الجمعة في الرياض، لتحديد موقفها إزاء ما يجري من تحركات بشأن العملية السياسية".
من جانبه، كشف نائب قائد تجمّع "فاستقم كما أمرت" ملهم عكيدي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأنه "من غير المعلوم متى ستنتهي هذه المشاورات، لكن المعارضة كلها متفقة على عدم الذهاب إلى أستانة، قبل تثبيت وقف إطلاق النار"، لافتاً إلى أن "الجانب التركي يكتفي في هذه المرحلة بالاستماع إلى ما تقوله المعارضة السورية". وحذّرت أوساط في المعارضة لـ"العربي الجديد" من محاولة روسيا حصر التمثيل السياسي للمعارضة بالفصائل العسكرية، مع استبعاد الهيئات السياسية، لأن "الأمر يستهدف إضعاف موقف المعارضة وخفض سقفها، خصوصاً أنه ليس لدى هذه الفصائل خبرة تفاوضية كافية".
وأبدت هذه الأوساط خشيتها من "تحوّل دور فصائل المعارضة"، وهي في مجملها مقرّبة من تركيا، إلى "مجرد التوقيع على تفاهمات بين تركيا وروسيا من دون أن يكون لديها هامش حقيقي لرفض ما يعرض عليها"، معربة عن اعتقادها بأن "إصرار روسيا على عقد مؤتمر أستانة في 23 يناير، هو محاولة للضغط على الفصائل للذهاب إلى الاجتماع من دون شروط".
مع ذلك، أكدت الفصائل أنها لن تحضر المؤتمر في حال استمر النظام في خرق الاتفاق. في هذا الإطار، حذّر نائب رئيس هيئة المفاوضات العليا يحيى القضماني في حديث مع "العربي الجديد"، من "تحوّل مؤتمر أستانة إلى مجرد بحث للحل السياسي إلى جانب الحلول الأمنية والعسكرية، أي أخذه إلى المفاوضات السياسية، بعيداً عن جنيف وعن دور الأمم المتحدة ودور الهيئة العليا للمفاوضات. ما يعني سماحنا بتقاسم الأرض والنفوذ بين النظام وداعميه والكتائب العسكرية وداعميها، تحت رعاية الضامنين الدوليين والإقليميين وسماحنا بتقسيم سورية".
من جانبه، قال اللواء المنشق محمد حاج علي لـ"العربي الجديد"، إنه "لا توجد حتى الآن أي لائحة للمشاركين في مؤتمر أستانة"، مشيراً إلى أنه "لم توجه دعوات إلى الهيئة العليا للمفاوضات ولا إلى الائتلاف المعارض، وإن كان من المحتمل أن يحضر بعض الأعضاء في الهيئتين بصفاتهم الشخصية، لا كممثلين عن المؤسسات التي ينتمون إليها".
وحول مسعى روسيا لإبعاد الهيئات السياسية عن عملية المفاوضات، حذّر حاج علي من أنه "ليس للفصائل خبرة في التفاوض ومن غير المرجح أن تنجح في إدارة هذه العملية". ورأى أن "مفاوضات أستانة قد تكون أو تضع ملامح لحل سياسي يستكمل في جنيف (في 8 فبراير/شباط المقبل) إذا تسنّى لها الانعقاد"، مشيراً إلى أن "روسيا تضغط للتسريع في عقد المفاوضات مع إرخاء الحبل للنظام في الوقت نفسه لإرساء حقائق جديدة على الأرض بهدف كسب الوقت تحسباً للاستحقاقات الجديدة، كمؤتمر جنيف، وتسلّم الإدارة الأميركية الجديدة مهامها".
من جهته، نفى المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، تسليمه أي دعوة رسمية للأمم المتحدة بخصوص المشاركة في مؤتمر أستانة، مؤكداً أن "المنظمة الدولية لا تعلم من هي الجهة التي تُرسل الدعوات الخاصة بالمؤتمر، لكنها لن تحضر المؤتمر إذا لم تتلق دعوة رسمية".
وبالتزامن مع المساعي الروسية للدفع إلى مؤتمر أستانة "من دون شروط مسبقة"، صعّد النظام والمليشيات الهجمات على منطقة وادي بردى في ريف دمشق الغربي. وقد قُتل شخص أمس الخميس، وسبعة أشخاص مساء الأربعاء ـ الخميس، إضافة لسقوط عشرات الجرحى، جراء قصف وُصف بـ"الأعنف" قامت به قوات النظام على قرى وادي بردى، مستهدفة بشكل خاص قرى بسيمة وعين الفيجة وعين الخضرة. وكشفت مصادر محلية أن "عائلة كاملة من ستة أفراد، بينهم أربعة أطفال، قُتلوا ليلة الأربعاء، بغارات لطائرات النظام الحربية على قرية عين الخضرة، وهم نازحون من حي جوبر بدمشق".
كما ألقت مروحيات النظام عشرات البراميل المتفجرة، بعضها محمّل بقنابل "نابالم" على قرية بسيمة، فضلاً عن سقوط عشرات الصواريخ من نوع "فيل"، ومئات قذائف المدفعية والدبابات على هذه البلدات، في ظل انقطاع سبل التواصل مع أهالي المنطقة.
ونفت المصادر مزاعم النظام بشأن التوصل لاتفاق مع الفصائل ودخول فرق الصيانة إلى وادي بردى لإصلاح محطات المياه، مشيرة إلى أن "الصور التي بثّتها وسائل إعلام النظام لأشخاص يقومون بتسليم أنفسهم لحواجز النظام، إنما هي لأشخاص مدنيين سمح لهم النظام بالخروج من بلدات وادي بردى، ثم أجبرهم على التصوير على أنهم مسلحون قاموا بتسوية أوضاعهم".
وقد دعت المعارضة إلى تدخل دولي لوقف هجوم قوات النظام وحزب الله المستمر للأسبوع الثالث على وادي بردى. وطالبت الهيئة العليا للمفاوضات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بمعالجة ما وصفته بالوضع المخيف والمتدهور في الوادي. ونوّهت الهيئة في بيان لها إلى أنه "منذ بدء سريان وقف إطلاق النار خرقه النظام وحلفاؤه نحو 400 مرة، وأزهقوا أرواح أكثر من 270 شخصاً".
وطاول التصعيد أيضاً الريف الحلبي، إذ قضى ثمانية أشخاص جراء قصف جوي وآخر مدفعي للنظام على مناطق متفرقة بريفي حلب الغربي والجنوبي. وقال ناشطون إن "طائرات حربية شنّت غارات بصواريخ ارتجاجية على قرية بابكة، قرب مدينة الأتارب، ما أسفر عن مقتل خمسة مدنيين وإصابة عشرة آخرين بجروح خطيرة، في حين أفادت مصادر بالمنطقة أن الطائرات روسية، وأن المنطقة يوجد فيها كل من جبهة فتح الشام وحركة نور الدين الزنكي.
كما طاول قصف مدفعي لقوات النظام المتمركزة في كتيبة العدنانية بلدة بنان الحص في الريف الجنوبي، ما أسفر عن مقتل امرأة وإصابة مدنيين اثنين بجروح حالة أحدهما خطيرة. وكان مدنيان قُتلا وأصيب آخرون إثر غارات يرجح أن تكون روسية، على مناطق عدة في ريف حلب الجنوبي. كما قتل وأصيب عدد من المدنيين جراء قصف جوي على منطقة جبل البلعاس قرب بلدة عقيربات، الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة بريف حماة الشرقي.
وأشارت مصادر محلية إلى أن "طائرات حربية، يرجح أنها روسية، شنت غارة على المنطقة، ما أدى لمقتل خمسة مدنيين، بينهم امرأة وطفل، وجرح سبعة آخرين، نقلوا إلى مستشفيات مدينة الرقة، التي تبعد أكثر من 200 كيلومتر عن جبل البلعاس في ريف حماة الشرقي".
من جهته، أفاد الجيش التركي أن "طائرات حربية تركية قصفت أهدافاً لداعش في سورية، فدمّرت 40 منها بينها مخابئ ومبانٍ ومركبات". وجاء البيان في وقتٍ انتقد فيه إبراهيم كالين المتحدث باسم أردوغان، الجيش الأميركي بقوة، بعد أن أعاد الأميركيون نشر بيان لتحالف "قوات سورية الديمقراطية" على موقع "تويتر". وذكر البيان أن "قوات سورية الديمقراطية ليست جزءاً من حزب العمال الكردستاني وتريد إقامة علاقات قوية مع دول الجوار بما في ذلك تركيا". ورد كالين قائلاً "هل هذه مزحة أم أن القيادة المركزية الأميركية فقدت عقلها؟" وأضاف "هل تعتقدون أن هناك من سيقتنع بذلك؟ يجب أن تتوقف الولايات المتحدة عن محاولة إضفاء شرعية على جماعة إرهابية".
إلى ذلك، جددت طائرات التحالف الدولي استهداف مقاتلي وكوادر "جبهة فتح الشام" في ريف إدلب، عبر شن سلسلة غارات أدت إلى مقتل 18 مقاتلاً من الجبهة بينهم قياديان يومي الأربعاء والخميس الماضيين، إضافة إلى ثلاثة من حركة أحرار الشام.
من جهة أخرى، نقلت وكالة "سبوتنيك" عن وزارة الدفاع الروسية نفيها القيام بتعزيز القوات التابعة لها في سورية، وأكدت أنها تقوم بتقليص هذه القوات. وجاء هذا التصريح تعقيباً على ما أوردته وسائل إعلام أميركية حول زيادة الوجود العسكري الروسي في سورية في الأيام الأخيرة. مع العلم أن وزارة الدفاع الروسية أعلنت أمس، أنها "بدأت تغيير تركيبة قواتها في سورية في إطار عملية لتقليص وجودها لم يتم الإعلان عنها مسبقاً". ونقل عن الوزارة قولها إنه "تمّ سحب أول ست قاذفات من طراز سوخوي-24، وأن أربع طائرات هجوم أرضي من طراز سوخوي-25 أقلعت متجهة إلى قاعدة حميميم الجوية السورية في محافظة اللاذقية ضمن عملية تناوب مقررة. كما سيتم سحب المزيد من الطائرات وأفراد الجيش المتمركزين بالقاعدة".