11 نوفمبر 2024
مؤامرة ضد ترامب
لا يبدو غريباً ما تشهده الولايات المتحدة الأميركية من احتجاجاتٍ مالت إلى العنف، وقوبلت بردّ أشد عنفاً، وامتداد التظاهرات والمسيرات الاحتجاجية إلى أكثر من 15 ولاية في غضون أيام. فخلال العقدين الماضيين فقط، تكررت تلك الأحداث أكثر من مرة، كان أكثرها عنفاً في عام 1992 حين اضطر الرئيس وقتئذ، جورج بوش الأب، إلى اللجوء لقوات الجيش، بعد أن عجزت الشرطة والحرس الوطني عن كبح موجة عنفٍ اجتاحت لوس أنجلوس، للسبب المتكرر نفسه، وهو مقتل أميركي أسود على أيدي الشرطة. ولو نفّذ الرئيس الحالي، دونالد ترامب، تهديده ونشر القوات المسلحة الفيدرالية على نطاق واسع، فستكون هي المرة الثانية منذ انتهاء الحرب الأهلية الأميركية. حيث أقر المشرعون هناك قانونا عرف باسم "قانون التمرّد"، وبدأ العمل به عام 1807، في محاولةٍ لتحصين الداخل الأميركي من أي احتمال أو فرصة للوقوع مجدّداً في براثن الاحتراب الأهلي.
حتى هنا، يبدو ذلك كله مفهوماً، وربما مبرّراً، في ضوء الميراث الاجتماعي والثقافي المترسخ في العقل الجمعي الأميركي. ما يحتاج حقاً إلى تفسير وتفكيك هو الخطاب الذي تبنّاه ترامب، بعد أن تزايدت الاحتجاجات، وانتقلت سريعاً من ولاية إلى أخرى، خطاب التخوين والشيطنة والتفسير التآمري، فلولا أنه يتحدّث الإنكليزية ويُطل بشقراويته من شاشات أميركية وعالمية، لاستحال تمييزه عن أي دكتاتور في دولةٍ شموليةٍ عالمثالثية. كما لو كان ينقل حرفياً من "دليل الحكام" نفسه، ويستخدم لغة التخويف نفسها، فلم يترك مفردة ولا معنى ولا إيماءة إلا واستنسخها.
أعداء واشنطن وخصومها الحاليون هم الصين وكوريا الشمالية وإيران. ولم تخترع أيٌّ منها تلك الأزمة، أو تحرّض ضابطاً أميركياً أبيض على قتل مواطن أميركي أسود، فهو حادث عنصري متكرّر من الشرطة الأميركية تجاه السود. ولو كانت سلطات الولاية والحكومة الفيدرالية بادرت، مبكرا، إلى مناقشة مطالب المحتجين وامتصاص غضبهم، لربما أمكن تطويق الموقف وتجنب الأزمة.
لم يكتف ترامب باستنساخ العقلية التآمرية الضحلة ومحاكاة أصحابها، بل اندفع سريعاً نحو الطريق التدميري نفسه. ولم يكتف بعدم التقاط إشارة الخطر في استمرار الاحتجاجات واتساع نطاقها، وفك شيفرة فشل الأسلوب الأمني العقيم في احتوائها، فكبّ ترامب الزيت على النار، وأخذ يطرق، بحماقةٍ، أبواب الفتنة بين مكونات المجتمع الأميركي، بدءاً بالبيض والسود، ثم بين المجتمع والجيش. حتى أنه لم يفوّت باب الفتنة الدينية/العلمانية، فرفع الإنجيل أمام إحدى الكنائس وراح يغازل المتدينين. وكان وقحاً للغاية في تحريضه المجتمع الأميركي على بعضه، حيث امتدح مسيراتٍ مناهضة للسود والأقليات، نظمها يمينيون بيض في شارلوتفيل، ووصفهم "بالأشخاص الجيدين للغاية".
أعيت هذه الحماقة المحيطين بترامب، سواء حكام الولايات الذين رفضوا اقتراحه الكارثي بمواجهة المتظاهرين بالقوة، أو وزارة الدفاع التي استشعر قادتها (أولهم رئيس الأركان مارك ألكسندر ميل) خطر الفتنة والانقسام، فرفضوا زجّ الجيش في مواجهة دافعي الضرائب. وبدلاً من التفكير في أسباب تحفظ المحيطين به واستيائهم، فضلاً عن معظم حكام الولايات، من إدارته الأزمة، يستمر ترامب في قفزاته الدونكيشوتية، فبدأ يجهز مرشحين لتولي حقيبة الدفاع، استعداداً لاستقالة محتملة من الوزير مارك أسبر، وكأن كل من لا يؤيده في اندفاعاته وحماقاته شريك في المؤامرة عليه.
بات مؤكّداً اليوم أن دونالد ترامب لا يقود الولايات المتحدة الأميركية بعقلية رجل الأعمال وحدها، ولا بروح مالك الأرض ومن عليها، بل كمن تتلبسه "روح مقدّسة" تحتكر الحق والحقيقة، وتمنحه حكمة مطلقة، ولهذا تُحاك ضده المؤامرات وتُنسَج حوله الدسائس، وكل من يعارضه حقير مُغرض، وكل من يخالفه غبي أو خائن. واليوم أيضاً، صار واضحاً أن ترامب حين وصف أحدهم ذات يوم بأنه "دكتاتوره المفضل" لم يكن سخريةً أو مزاحاً، وإنما تزكية وامتداحاً.
أعداء واشنطن وخصومها الحاليون هم الصين وكوريا الشمالية وإيران. ولم تخترع أيٌّ منها تلك الأزمة، أو تحرّض ضابطاً أميركياً أبيض على قتل مواطن أميركي أسود، فهو حادث عنصري متكرّر من الشرطة الأميركية تجاه السود. ولو كانت سلطات الولاية والحكومة الفيدرالية بادرت، مبكرا، إلى مناقشة مطالب المحتجين وامتصاص غضبهم، لربما أمكن تطويق الموقف وتجنب الأزمة.
لم يكتف ترامب باستنساخ العقلية التآمرية الضحلة ومحاكاة أصحابها، بل اندفع سريعاً نحو الطريق التدميري نفسه. ولم يكتف بعدم التقاط إشارة الخطر في استمرار الاحتجاجات واتساع نطاقها، وفك شيفرة فشل الأسلوب الأمني العقيم في احتوائها، فكبّ ترامب الزيت على النار، وأخذ يطرق، بحماقةٍ، أبواب الفتنة بين مكونات المجتمع الأميركي، بدءاً بالبيض والسود، ثم بين المجتمع والجيش. حتى أنه لم يفوّت باب الفتنة الدينية/العلمانية، فرفع الإنجيل أمام إحدى الكنائس وراح يغازل المتدينين. وكان وقحاً للغاية في تحريضه المجتمع الأميركي على بعضه، حيث امتدح مسيراتٍ مناهضة للسود والأقليات، نظمها يمينيون بيض في شارلوتفيل، ووصفهم "بالأشخاص الجيدين للغاية".
أعيت هذه الحماقة المحيطين بترامب، سواء حكام الولايات الذين رفضوا اقتراحه الكارثي بمواجهة المتظاهرين بالقوة، أو وزارة الدفاع التي استشعر قادتها (أولهم رئيس الأركان مارك ألكسندر ميل) خطر الفتنة والانقسام، فرفضوا زجّ الجيش في مواجهة دافعي الضرائب. وبدلاً من التفكير في أسباب تحفظ المحيطين به واستيائهم، فضلاً عن معظم حكام الولايات، من إدارته الأزمة، يستمر ترامب في قفزاته الدونكيشوتية، فبدأ يجهز مرشحين لتولي حقيبة الدفاع، استعداداً لاستقالة محتملة من الوزير مارك أسبر، وكأن كل من لا يؤيده في اندفاعاته وحماقاته شريك في المؤامرة عليه.
بات مؤكّداً اليوم أن دونالد ترامب لا يقود الولايات المتحدة الأميركية بعقلية رجل الأعمال وحدها، ولا بروح مالك الأرض ومن عليها، بل كمن تتلبسه "روح مقدّسة" تحتكر الحق والحقيقة، وتمنحه حكمة مطلقة، ولهذا تُحاك ضده المؤامرات وتُنسَج حوله الدسائس، وكل من يعارضه حقير مُغرض، وكل من يخالفه غبي أو خائن. واليوم أيضاً، صار واضحاً أن ترامب حين وصف أحدهم ذات يوم بأنه "دكتاتوره المفضل" لم يكن سخريةً أو مزاحاً، وإنما تزكية وامتداحاً.