تبدو الحياة قاسية هنا، في مخيّم الركبان الذي يؤوي نازحين سوريين فرّوا من الاقتتال الدائر في البلاد. في ظلّ الظروف الحالية، وسط الفراغ، الشبّان بلا عمل بينما يستعيد كبار السنّ ذكرياتهم.
في تلك الساحة الترابية، أطفال يلعبون بعلب معدنية وبضعة حجارة، بينما يركض آخرون خلف بعضهم بعضا. غير بعيد عنهم، رجل خمسينيّ يسند ظهره إلى جدار منزل طيني، في حين يمرّ أمامه بعض سكّان المخيّم. في الخلفيّة، خيام تحمل شعار المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، امتصّ الغبار وأشعّة الشمس بعضاً من لونه. مشهد يتكرّر مع اختلاف بعض من تفاصيله، في مخيّم الركبان للنازحين السوريين على الحدود مع الأردن، ذلك المخيّم الذي ما زال يعاني واللاجئين إليه من جرّاء الحصار.
"الأوضاع ما زالت على حالها بعد إغلاق الطريق الواصل بين المخيّم ومناطق سيطرة النظام"، بحسب ما يؤكد الناشط عماد غالي لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أنّ "المركبات ما زالت ممنوعة من العبور والوصول إلى المخيّم. كذلك ارتفعت أسعار الوقود بصورة كبيرة بالتزامن مع انعدامه تقريباً. على سبيل المثال، المازوت إن توفّر، يتجاوز سعر الليتر منه 1500 ليرة سورية (نحو ثلاثة دولارات أميركية). أمّا الكاز (كيروسين) الذي يعتمد عليه الأهالي في الطهو، فيبلغ سعر الليتر منه ألف ليرة (نحو دولارين تقريباً). ومثلما هو معلوم، فإنّ المخيّم يقع في منطقة صحراوية، بالتالي لا يجد سكانه أيّ مساحات حرجية أو مدن يمكنهم الحصول فيها على ما يحتاجونه من حطب للتدفئة في ظلّ عدم توفّر كميّات كافية منه في المخيّم. والمشكلة ليست في قلّته فحسب، إنّما في سعره الباهظ، إذ إنّ الكيلوغرام الواحد منه يصل إلى 200 ليرة (نحو 0.4 دولار)". ويتابع غالي أنّ "المواد الغذائية قليلة في داخل مخيّم الركبان، والأوضاع إلى تدهور أكبر. فواحد من الفرنَين العاملَين في المخيّم توقّف عن العمل، والفرن الثاني مهدّد كذلك. أمّا ربطة الخبز فقد تخطّى سعرها 400 ليرة (نحو 0.8 دولار)، وهو أمر طبيعي مع ارتفاع سعر كيس الطحين بنحو ضعفَيه ليبلغ 16 ألف ليرة (نحو 31 دولاراً) إن توفّر".
وعن الخطوات التي يقوم بها سكّان المخيّم لكسر الحصار، يقول غالي إنّ "وفداً منهم قابل ضبّاطاً روساً قبل أيام، وطالبوهم بفتح الطريق المؤدّي إلى المخيّم، من دون أن يُسجَّل أيّ تجاوب من الجانب الروسي"، شارحاً أنّ "الوسيط بالتأكيد كان فريقاً من الأمم المتحدة". وفي إشارة إلى الأخبار المتداولة حول وفاة شاب من الأشخاص المعوّقين لم يتمكّن أهله من إخراجه من المخيّم، أكّد غالي أنّ "حتى اللحظة لا تتوفّر أيّ تفاصيل حول الموضوع".
بين الخيام والبيوت الطينية، على مقربة من الشريط الحدودي مع الأردن، ينتشر أطفال لم يتجاوزوا العاشرة من عمرهم، في مجموعات. هؤلاء لا يلعبون هناك، إنّما يبحثون عن أكياس بلاستيكية وأوراق تحملها الرياح أو أيّ شيء قابل للاشتعال، فيجمعونها ويوصلونها إلى أهلهم الذين يستخدمونها إمّا للطهو أو للتدفئة من خلال حرقها. لكنّ ذلك البحث قد يطول في البرد، بينما الصغار لا يرتدون ما يقيهم صقيع الصحراء.
في السياق، يخبر عمر ياسين "العربي الجديد" أنّه كان يشتري ملابس أولاده من البالة، "لكنّ البالة اختفت في منتصف العام الماضي، والملابس الجديدة المتوفّرة هنا باهظة الثمن ولا يمكنني شراؤها". ويشير ياسين إلى أنّ "الأولاد يكبرون أمام أعيننا ونحن عاجزون عن إدخال الفرحة إلى قلوبهم. في العيد مثلاً، لا يحصلون كما سواهم على ألعاب أو ملابس جديدة. وتعيد الأيام نفسها، لتزداد سوءاً مع الوقت". ويسأل: "ما هو ذنب أطفالنا حتى يُحرَموا من كل شيء؟ هم معزولون عن العالم الخارجي بكل معنى الكلمة. نحن عشنا طفولتنا جيّداً، لذا نحزن اليوم على صغارنا وليس على أنفسنا في ظلّ هذه الظروف المتدهورة".
ويترقّب سكّان المخيّم انقضاء فصل الشتاء القاسي، لكنّ الصيف ليس أفضل حالاً بالنسبة إليهم. فحرّه حارق هنا في الصحراء، والخيام التي لا تؤمّن الدفء لهم في الشتاء لن تعزل قيظ الصيف. ويؤكد مؤيد أبو عبيدة لـ"العربي الجديد" في السياق، أنّ "المعاناة لا تنتهي في المخيّم. نحن لا نملك اليوم أغطية كافية تردع البرد عنّا، لكن ما باليد حيلة. وغداً، بعد أشهر معدودة، سوف نضطر إلى مواجهة الصيف لنعيش معاناة من نوع آخر. كأنّنا ندور في حلقة مفرغة، ونعجز عن الخروج منها". يضيف: "يبدو أنّنا سنقضي الأيام هنا ونحن نركض خلف الماء والغذاء والدفء في الشتاء ووسائل التخفيف من وطأة القيظ في الصيف. يبدو أنّ هذا هو قدرنا".
تجدر الإشارة إلى أنّ نحو 55 ألف مدني يعيشون في مخيّم الركبان اليوم، 80 في المائة منهم من الأطفال والنساء وكبار السنّ. هؤلاء يعيشون وسط الحصار وفي ظلّ أوضاع معيشية وصحية متدهورة وصحية سيئة. وإذا توفّر مثلاً دواء لهم من خلال التهريب، فأسعاره باهظة ولا يستطيعون توفيرها.