في الأول من أغسطس/ آب الماضي، وفي ذروة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ضرب صاروخ منزل عائلة النملة، وتسبب لها بأكثر من مصيبة.
كانت العائلة تحتمي داخل منزلها، وأصرً الوالدان على البقاء فيه، لكنّ أبناءهما وأحفادهما مضوا إلى ما كانوا يحسبونه مكاناً أكثراً أمناً. وقبل وصول الأفراد الثمانية إلى مقصدهم، استهدفهم صاروخ من طائرة استطلاع، وقتل ثلاثة منهم على الفور، بينما أصيب الآخرون إصابات بالغة، وما زالوا، في المستشفى، حتى اليوم بسببها.
استشهد في تلك الغارة على حي التنور في رفح، جنوب قطاع غزة، كلّ من يوسف النملة، وزوجته ولاء، وشقيقته الصغرى أنغام. فيما بترت ساق وائل النملة (شقيق يوسف وأنغام)، وساقا زوجته إسراء، وساق ابنهما شريف (3 أعوام) الذي فقد عينه اليمنى أيضاً. فيما أصيبت ابنتهما عبير (عامان) بحروق.
نقلت العائلة المصابة إلى الضفة الغربية. واليوم يرقد وائل (26 عاماً) وطفله شريف في مستشفى المقاصد في القدس، وإسراء في مستشفى الخليل الحكومي.
يروي الجد أبو وائل النملة (48 عاماً) قصة استهداف عائلته في آخر أيام عيد الفطر، أثناء هدنة الـ72 ساعة. يقول إنّ قصفاً مفاجئاً لرفح وقع يومها، وحصلت المأساة، التي لم ينج منها سوى نجله شريف وعائلته.
أما شريف "الصغير"، فلا يفارقه الجد. يتركه معلقاً برقبته ويقول: "ما أعز من الولد إلا ولد الولد". ويحكي عن الأيام التي يمضونها في المستشفى اليوم، فيقول: "يستيقظ شريف قبل جميع المرضى هنا في قسم العظام، في الساعة السابعة صباحاً، ويطلب مني أن آخذه في جولة حول المستشفى. أشتري له بعض الحلوى من البقالة القريبة، أو أجلس معه في حديقة المستشفى".
لكنّ شريف لا يمضي أياماً هانئة هناك. يبكي الصغير فجأة ويصرخ: "جدو.. الذباب يأكل ساقي، دعنا ننزل إلى الحديقة". فهو يعاني من حروق شديدة في ساقه اليمنى، ما دفع الأطباء لإخضاعه إلى عملية زرع جلد فيها. بينما لم يتمكنوا من فعل شيء لعينه اليمنى، التي دمّرت شبكيتها كلياً.
وفي قطاع غزة بقيت الطفلة عبير شقيقة شريف، بعيدة عن أفراد عائلتها. ومن المقرر أن يعود وائل وشريف بعد انتهاء علاجهما في القدس، خلال أيام، إلى القطاع. لكنّ إسراء لن تعود قبل أسبوعين، إذ لم يتمكن الأطباء من استكمال علاجها بعد.
وذكر المرصد الأورومتوسطي، ومقره جنيف، أنّ طواقم البحث، التابعة له، في قطاع غزة، رصدت إصابة 3 آلاف طفل، يعاني ألف من بينهم من إعاقات دائمة.
وقال مدير المرصد في قطاع غزة رامي عبده إنّ المعايير التي استخدمها المركز في رصد حالات الأطفال هي معايير دولية متعارف عليها. فمن بين 600 حالة طفل تمت دراستها، تبين أن 220 من بينهم سيعانون من إعاقة مستمرة طوال حياتهم.
وتابع أنّ "إعاقات الأطفال تنوعت ما بين بتر الأطراف، وفقدان قدرة الجسم على أداء وظيفته، من 5 في المئة وصعوداً".
من جانبه، قال رئيس قسم الطوارئ في مستشفى الشفاء في غزة الدكتور أيمن السحباني، إنّ إصابات الكثير من الأطفال، وحتى الشهداء منهم، كانت معظمهما حروقاً أو بتراً. وأضاف أنّ "الإصابات كانت مريعة، فهنالك أطفال بلا رؤوس، وآخرون بلا أقدام أو أيد أو أصابع".
وعن إنجازات المستشفى، رغم تواضعه، قال السحباني: "استطعنا أن نجري عمليات إعادة وصل أقدام وأيدي أطفال مصابين". ومع ذلك يقول إنّ عمل الأطراف الموصولة "لن يعود إلى ما كان عليه قبل الإصابة".
ويتابع: "لم نتمكن خلال الحرب من إجراء الكثير من العمليات الضرورية، كتصحيح العظام المهشمة المصاحبة لحالات البتر، والتي تحتاج إلى عدة عمليات متتالية". لكنّه يؤكد أنّ المستشفى عمل ما في وسعه لـ"إنقاذ الأطفال رغم استمرار العدوان".