تعيشُ مدينة جدّة السعوديّة مأساةً مشابهة لتلك التي شهدتها عام 2009، وقد أدّت الأمطار الغزيرة التي تساقطت أول من أمس في المملكة إلى مقتل 12 شخصاً، ثلاثة منهم في جدة، بحسب بيانات الدفاع المدني. ولم تكن هذه السنوات الست الفاصلة بين الكارثتين كافية لمعالجة مشاكل البنية التحتية وتصريف السيول، على الرغم من أن معدل الأمطار التي هطلت هذه المرة كان أقل بالمقارنة مع عام 2009.
هذه الأمطار أقلقت الناس، علماً أنه وحتى الآن ما من تقديرات لحجم الخسائر الاقتصادية، وقد تطرّق كثيرون إلى المشاريع الفاسدة. في المقابل، حاول متطوعون التخفيف من الكارثة، على الرغم من فداحتها.
في هذا السياق، تقول ابتسام الحسيني، وهي أم لثلاثة أولاد: "مع بدء هطول الأمطار، دخلت غرفتي وأغلقت الباب وأقنعت نفسي بأن لا شيء في الخارج". تضيف: "حرمونا الاستمتاع بالمطر، الذي أصبح مصدر خوف وقلق بالنسبة إلي". أما خالد الحربي الذي انتظر ساعات قبل أن يتمكن من الخروج من مقر عمله والوصول إلى منزله، فيقول: "لم أكن أتوقع أن يرتفع منسوب المياه في الشوارع إلى هذا الحد"، معرباً عن خيبة أمله من فشل المشاريع التي كان يجب أن تساهم في التقليل من هذه الحوادث.
من جهتها، تقول بشاير مبيريك إنها خرجت من منزلها عند الساعة الرابعة عصراً لزيارة والدتها والاطمئنان على صحتها، لافتة إلى أن الطرقات كانت مزدحمة جداً، وقد رأت سيارة تهوي في إحدى الحفر. تضيف أنها شعرت بالخوف، مشيرة إلى أن تعطّل إشارات المرور أدى إلى زيادة الازدحام. تتابع: "أتمنى ألا يحدث هذا في المستقبل، ويعالج الأمر سريعاً". وترى مبيريك أن المشكلة ليست محصورة في الأضرار الاقتصادية، لافتة إلى تعطل المدارس وحركة المواصلات، الأمر الذي قد يزيد الضغط على التلاميذ خلال الأيام المقبلة. وتسأل: "من سيحصي الأضرار؟ حتى اللحظة، يبدو أن المسؤولين اكتفوا بالمشاهدة".
بدورها، تُبيّن الخبيرة الاقتصادية ريم أسعد لـ"العربي الجديد" أن الاعلام الرسمي لم ينقل إلى الرأي العام الأضرار التي سببتها السيول والأمطار التي تغرق جدة هذه الأيام. وترى أن عدم تسليط الضوء على حجم الأضرار الاقتصادية يعكس مشكلة حقيقية في نقل الواقع، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي عملت على تغطية هذا النقص. تضيف أن عدداً من الناشطين التقطوا صوراً لحجم الدمار الحاصل، موضحة أنه "لم يكن ثمّة تحديد لعدد المباني أو السيارات المتضررة. سمعنا عن موت البعض. لكن من هم؟ وأين وجدوا؟ ثمّة مشكلة حقيقية في نقل الواقع".
وتلفت أسعد إلى أن المشكلة لم تحل، ويبدو أن الإدارة التي تسلمت مشروع معالجة السيول لم تنجح، على الرغم من مرور ست سنوات على الكارثة الأخيرة، آسفة لعدم محاسبة المسؤولين حتى اليوم. تتابع: "إذا لم يكن بمقدور الأجهزة الحكومية إدارة الأزمة بشكل جيد، خصوصاً أن الأمر بديهي، فكيف لنا أن نتخيّل أنهم قادرون على الإعلان عن الآثار الاقتصادية الناتجة عن السيول؟. ويبدو أنه من غير المحبّذ إحصاء الأضرار الاقتصادية، لكن ثمّة إعلام بديل كشف كثيراً من الحقائق".
من جهته، يتحدّث الأستاذ المتخصص في المناخ في جامعة القصيم، عبد الله المسند، عن الأضرار، مشيراً إلى أن الفساد أدى إلى تغير جغرافي. يقول لـ"العربي الجديد": "تقدّر الأمطار المتساقطة بثلاثين مليمتراً، مع ذلك وقعت الكارثة المخجلة". يضيف أن مشكلة جدة في الأرض وليست من السماء. قلتُ ذلك في كارثة عام 2009 التي أدت إلى مقتل عشرات الأبرياء في جنوب جدة، وفي 3 مايو/أيار من عام 2010. ويؤكد أن التغير المناخي بريء من كوارث جدة.
ويوضح المسند أن كميات الأمطار التي تساقطت أول من أمس على جدة لا تؤدي إلى هدم أو جرف أو تدمير أو إغلاق الطرقات أو المدارس، إلا أن تدخل الإنسان السلبي يؤدي إلى كوارث. بعد كل ما سبق، يستغرب عدم استقالة أي من المسؤولين.
إلى ذلك، التقت "العربي الجديد" عدداً من المتطوعين الذين أطلقوا على أنفسهم "شباب الفزعة"، خصوصاً أنهم يملكون سيارات دفع رباعي. هؤلاء عملوا على إنقاذ العالقين بسبب السيول والأمطار. ويقول عبدالقادر كتوعة: "مع بدء ارتفاع منسوب المياه، سارعنا إلى الانتشار في شوارع جدة، ونشر أرقامنا على وسائل التواصل الاجتماعي، وعملنا على سحب بعض السيارات وإنقاذ المحتجزين". ويشير إلى أن ثمة مئات من السيارات التي كانت عالقة، وقد انتظر البعض حتى المساء بسبب الازدحام".
اقرأ أيضاً: توقف الأمطار في جدة وتوقعات بعودتها خلال أسابيع