على وقع جنوح معظم الدول في العالم، تحديداً الغربية منها، إلى التطرّف اليميني، بدت الإكوادور وكأنها تسير باتجاه معاكس من خلال اصطفاف الأكثرية الناخبة خلف مرشح حزب "تحالف البلاد" اليساري الحاكم، لينين مورينو، في الانتخابات الرئاسية، وهو ما من شأنه أن ينعكس بما يشبه مفعول الدومينو على الأوضاع السياسية في دول أميركية لاتينية أخرى مثل فنزويلا إلى الأرجنتين. بات مورينو على مشارف الفوز برئاسة الإكوادور إثر تحقيقه تقدماً مريحاً على منافسه المباشر، غييرمو لاسو، الذي ينتمي إلى "حركة خلق الفرص" المحافظة. ومع إعلان فرز أكثر من 85 في المائة من الأصوات، نال مورينو أكثر من 39 في المائة، في مقابل 28 في المائة للاسو. وينصّ القانون في الإكوادور، على نيل الفائز 50 في المائة من الأصوات للفوز بالرئاسة من الجولة الأولى، كما أنه في وسع من يتخطى حاجز الـ40 في المائة، مع فارق 10 نقاط عن وصيفه، الفوز بالجولة الأولى، أو يتم الاحتكام إلى جولة ثانية بين أول وثاني الجولة الأولى، والمقررة في 2 أبريل/نيسان المقبل. ويحتاج مورينو إلى دفعة صغيرة، ليُصبح الرئيس الـ44 للبلاد، خلفاً لرافايل كورّيا، الذي حكم ثلاث ولايات متتالية. ومورينو، أعلن، مساء الأحد، في العاصمة كيتو، أنه "سننتصر في هذه المعركة".
ينطلق مورينو من تجربة شخصية، لكونه أُصيب بالشلل عام 1998، في سياق تبنّيه الشعارات الاجتماعية، مرتكزة على زيادة الوظائف والمكاسب الاجتماعية لذوي الحاجات الخاصة في الإكوادور. كما عمل خلال توليه منصب نائب الرئيس، رافايل كورّيا، بين عامي 2007 و2013 على المساهمة في وضع قاعدة بيانات لذوي الاحتياجات الخاصة، حتى يتسنى لهم الحصول على العلاج الطبي الملائم لهم. كما وفّر راتباً شهرياً يصل إلى 240 دولاراً للأسر التي تعتني بقريب معوّق. وأسس برنامج إقراض لأصحاب المشاريع من المعوّقين في الإكوادور.
غريب كيف تبدّل التجارب حياة الانسان، ففي 3 يناير/كانون الثاني 1998، تقدّم شابان من مورينو في موقف سيارات تابع لسوق خضروات في العاصمة الإكوادورية كيتو، وطلبا منه سيارته وماله، فأعطاهما مفاتيح السيارة والمال، مع ذلك أطلق أحد الشابين النار في ظهره، ليُصاب بالشلل. في السنوات الأولى من الإصابة، كان مورينو محبطاً وأسير الفراش وغير قادر على الحركة، قبل أن يتمّ تغيير العلاج، ما جعله في عام 2002 قادراً على الجلوس في كرسي نقّال ومتابعة حياته.
تأثر مورينو بوالده كثيراً خصوصاً في السياق السياسي والاجتماعي تحديداً، ودرس "الإدارة العامة" والطب النفسي، قبل أن يبدأ مسيرته عام 1976 كمدير للمبيعات في شركة خاصة، ثم انتقل للعمل في القطاع العام، بتعيينه في منصبٍ إداري حكومي، قبل أن يعمل في القطاع السياحي، مؤسسة "غرفة السياحة في بيشينشا"، وهي مقاطعة إكوادورية. وبعد إصابته بالشلل وعودته إلى الشأن العام، أنشأ مؤسسة "ايفينتا"، لنشر البهجة والفرح، انطلاقاً من تجربته الأليمة. كما أصدر كتباً عدة، تتمحور حول المرح والسعادة، مثل "فلسفة الحياة والعمل"، و"نظرية الكوميدية وممارستها"، و"أمر سهل ومرح في أن تكون سعيداً"، و"أفضل نكات العمل"، و"اضحك، لا تكن مريضاً"، وغيرها.
بات نائباً للرئيس الإكوادوري، عام 2007 واستمر في مهمته حتى عام 2013، وتمكن من رفع مستوى التقديمات لذوي الحاجات الخاصة، وأسس منظمة تعنى بمحاربة "الرِهاب" وتقدّم المساعدة التقنية لذلك، وزار أعضاء من المنظمة 1.2 منزل في البلاد، وقدمت المساعدة لـ300 ألف مواطن إكوادوري، وتلقّى الكثر علاجات مجانية، في دولة غير غنية. وتجاوزت المنظمة حدود الإكوادور، لتصل إلى بلدان أخرى مجاورة وبعيدة، كالباراغواي والبيرو وغواتيمالا وتشيلي والسلفادور وكولومبيا. صحوة الناخبين الإكوادوريين مع مورينو، ليست مجرد موجة عابرة، فبلاد اعتادت على توارث نمطية كرّسها احتلال إسباني قديم، ونظام زراعي طبقي، باتت أقرب إلى أنسنة السياسة، التي تتساقط في دول غربية عدة.