كُتب الكثير عن الست صيصة، خاصة بعدما كرمها السيسي، ومن بعده توالت حالات التكريم مرة من "المجلس القومي للمرأة" ومرات من الإعلام. الكل يتبع ما يقوله الرئيس، مع الحرب أو ضدها، مع نثر الورود او القتل العمد لحاملة الورود شيماء الصباغ، مع الدفاع عن نساء السلطة ومثقفيها، أو الهجوم الحاد والتشوية للنساء اللواتي يعارضن السلطة.
نعود مرة أخرى للست صيصة أبو دوح، وهي لمن لا يعرفها امرأة مكافحة من جنوب مصر وتحديداً من محافظة الأقصر. مات زوجها فاضطرت للعمل وشق معترك الحياة لوحدها منتحلة صفة رجل، وما زالت منذ اربعين عاماً وحتى الآن تشقى وتتعب من أجل حماية أسرتها وإعالتها.
صيصة عملت في القطاع غير الرسمي، من الحقول إلى أعمال البناء والتشييد إلى مسح الاحذية، تبكي الست صيصة في البرنامج التلفزيوني لتُبكي معها ملايين. وهي التي لم نكن نعرف عنها شيئاً، متخفية في زي الرجال حتى لا تنهشها الأعين...
ولعل نموذج الست صيصة، يعبر عن جنوح النساء الدائم للثورة والتمرد والالتحاق بكافة التحركات الاحتجاجية، وقيادتها في كثير من الأحيان. كما تشير هذه الحالة أيضاً إلى مفهوم متخلف يربط فرص العمل بمسألة النوع الاجتماعي.
ومن جانب آخر تحاول السلطة استخدام هذه النماذج النضالية للنساء، ليكن مجرد وردة في صالونات أصحاب السلطة الذين خلفوا ملايين من هذا النموذج البائس الذي انتهك حقه في الحياة الكريمة، نتاج ما طبق من سياسات اقتصادية مجحفة.
وفي ذات السياق، تحاول السلطة تقديم هذا النموذج بوصفه النموذج المكافح وهذا حقيقي، لكن في أحد جوانبه يدعونا إلى التسليم لبؤس الظروف وتحمل المشاق، من دون التنبه إلى أن هذا النموذج من الناس له حقوق طال غيابها، وأن هناك من نهبوا الثروات وخلفوا وراءهم شعباً فقيراً وبائساً. هنا تقف السلطة ومؤسساتها تحمل الورود لتتجمل وتكذب. وهي ذاتها السلطة التي تشرد العمال رجالاً ونساء، وهي التي اطلقت الخرطوش على شيماء الصباغ وحبست سناء سيف وغيرها من زهرات مصر ومناضلاتها خلف الأسوار. وهي أيضاً السلطة التى اطلقت عبر آلياتها البوليسية الخرطوش لفض إضراب عاملات طنطا.
العاملات المحتجات ونساء الثورة لسن ضمن الحفلات التكريمية التي تعدها السلطة ومؤسساتها، لأن من تريد تغيير البنى الاقتصادية إلى حالة أفضل، ومن تريد حقوقها في العمل الكريم والأجر المناسب لن تكون إلا في موضع المواجهة مع السلطة.
إن حل مشكلات النساء في العمل يحتاج إلى جهد وطني وسلطات تنتمي إلى الشعب، ويحتاج أيضاً الى رؤى واضحة تعمل على تنفيذ تصور اقتصادي يستوعب العاطلات من العمل، ويوفر مظلة حماية اجتماعية وتأمينية وتشريعات حمائية للعاملات بأجر في القطاع الرسمي وغير الرسمي.
من هنا، لا بد من توجيه التحية لصيصة ومريم وعاملات طنطا والمحلة الكبرى، وورود مصر وتونس من هن خلف القضبان ومن يكافحن من اجل حقوقهن، فهؤلاء لن يتحولن الى وردة على بدلة الحاكم، بل هن شعلة تنير الطريق وتحرق ناهبي ثروات الشعب.
(باحث في الانثربولوجيا الاجتماعية)
إقرأ أيضا: اليمن النازح: ارتفاع مستويات الجوع يزيد هول الكارثة
نعود مرة أخرى للست صيصة أبو دوح، وهي لمن لا يعرفها امرأة مكافحة من جنوب مصر وتحديداً من محافظة الأقصر. مات زوجها فاضطرت للعمل وشق معترك الحياة لوحدها منتحلة صفة رجل، وما زالت منذ اربعين عاماً وحتى الآن تشقى وتتعب من أجل حماية أسرتها وإعالتها.
صيصة عملت في القطاع غير الرسمي، من الحقول إلى أعمال البناء والتشييد إلى مسح الاحذية، تبكي الست صيصة في البرنامج التلفزيوني لتُبكي معها ملايين. وهي التي لم نكن نعرف عنها شيئاً، متخفية في زي الرجال حتى لا تنهشها الأعين...
ولعل نموذج الست صيصة، يعبر عن جنوح النساء الدائم للثورة والتمرد والالتحاق بكافة التحركات الاحتجاجية، وقيادتها في كثير من الأحيان. كما تشير هذه الحالة أيضاً إلى مفهوم متخلف يربط فرص العمل بمسألة النوع الاجتماعي.
ومن جانب آخر تحاول السلطة استخدام هذه النماذج النضالية للنساء، ليكن مجرد وردة في صالونات أصحاب السلطة الذين خلفوا ملايين من هذا النموذج البائس الذي انتهك حقه في الحياة الكريمة، نتاج ما طبق من سياسات اقتصادية مجحفة.
وفي ذات السياق، تحاول السلطة تقديم هذا النموذج بوصفه النموذج المكافح وهذا حقيقي، لكن في أحد جوانبه يدعونا إلى التسليم لبؤس الظروف وتحمل المشاق، من دون التنبه إلى أن هذا النموذج من الناس له حقوق طال غيابها، وأن هناك من نهبوا الثروات وخلفوا وراءهم شعباً فقيراً وبائساً. هنا تقف السلطة ومؤسساتها تحمل الورود لتتجمل وتكذب. وهي ذاتها السلطة التي تشرد العمال رجالاً ونساء، وهي التي اطلقت الخرطوش على شيماء الصباغ وحبست سناء سيف وغيرها من زهرات مصر ومناضلاتها خلف الأسوار. وهي أيضاً السلطة التى اطلقت عبر آلياتها البوليسية الخرطوش لفض إضراب عاملات طنطا.
العاملات المحتجات ونساء الثورة لسن ضمن الحفلات التكريمية التي تعدها السلطة ومؤسساتها، لأن من تريد تغيير البنى الاقتصادية إلى حالة أفضل، ومن تريد حقوقها في العمل الكريم والأجر المناسب لن تكون إلا في موضع المواجهة مع السلطة.
إن حل مشكلات النساء في العمل يحتاج إلى جهد وطني وسلطات تنتمي إلى الشعب، ويحتاج أيضاً الى رؤى واضحة تعمل على تنفيذ تصور اقتصادي يستوعب العاطلات من العمل، ويوفر مظلة حماية اجتماعية وتأمينية وتشريعات حمائية للعاملات بأجر في القطاع الرسمي وغير الرسمي.
من هنا، لا بد من توجيه التحية لصيصة ومريم وعاملات طنطا والمحلة الكبرى، وورود مصر وتونس من هن خلف القضبان ومن يكافحن من اجل حقوقهن، فهؤلاء لن يتحولن الى وردة على بدلة الحاكم، بل هن شعلة تنير الطريق وتحرق ناهبي ثروات الشعب.
(باحث في الانثربولوجيا الاجتماعية)
إقرأ أيضا: اليمن النازح: ارتفاع مستويات الجوع يزيد هول الكارثة