ليس احتفالاً بفان غوخ

29 مارس 2016
عبّاد الشمس - 1887 (Getty)
+ الخط -

فنسنت فان غوخ قضى انتحاراً. حُسِم الأمر. كان ذلك في عام 1890. لم يكن الانتحار قطّ احتمالاً مستبعداً، بالنسبة إلى هذا الفنان الهولنديّ الذي كثُرت التكهّنات حول تعقيد وضعه الصحيّ. أهل الاختصاص بحثوا فرضيّات عديدة، وقد أرجعوه إلى جملة من الاضطرابات الجسديّة والعصبيّة والنفسيّة والعقليّة.

اضطراب ثنائيّ القطب. هذا هو المرض النفسيّ العقليّ - الأكثر ترجيحاً - الذي شُخّص لديه. في البدء، قيل الكثير حول إصابته بانفصام الشخصيّة. لكنّ هؤلاء الذين احترفوا الغوص في الذات البشريّة فنّدوا لاحقاً تلك النظريّة، ليخلصوا إلى أنّه لا يعاني من ذلك المرض على الرغم من كلّ الأعراض ذات الصلة، لا سيّما الهلوسات.

في مثل هذا اليوم، في 30 مارس/آذار، وُلد فان غوخ. كان ذلك في عام 1853. صحيح أنّ هذا الفنان الانطباعيّ من هؤلاء المبدعين الذين طبعوا تاريخ الفنّ، إلا أنّ احتفال العالم بهذا اليوم ليس احتفالاً به. قبل عامَين، تحوّل هذا التاريخ إلى مناسبة للتوعية حول الاضطراب ثنائيّ القطب. أما الاحتفال بالفنان، فمحدّد في تاريخ وفاته في 29 يوليو/تموز، بينما يُخصّص يوم الأحد الأوّل من شهر سبتمبر/أيلول من كلّ عام للاحتفال به في مسقط رأسه. 

30 مارس/آذار 2016، اليوم العالميّ الثالث للتوعية حول الاضطراب ثنائيّ القطب. أخيراً فقط، بدأ الوعي يتشكّل حوله. وتشير البيانات إلى أنّ اثنَين في المائة من مجموع سكّان المعمورة يُعانون من هذا الاضطراب الذي يُصنّف "خطيراً" والذي يُترجَم بنوبات تغيّرات حادة ومفاجئة في المزاج والتفكير والسلوك. وإذ هو كذلك، يُجمِع أهل الاختصاص على أنّه لا يأتي كتحدّ حقيقيّ للمريض فحسب، بل أيضاً لعائلته ومحيطه وللعاملين في القطاع الصحيّ وللمجتمع ككلّ. لا نفشي سراً إن أكّدنا أنّ هذا التحدّي الحقيقيّ لا يعني سوى البلدان والمجتمعات التي لا تخجل من اضطرابات أهلها النفسيّة العقليّة، تلك التي لا تُحرَج من تناول الصحة العقليّة بل تسعى إلى تعزيز هذا القطاع أسوة بقطاعات الصحّة الأخرى، حرصاً على سلامتها وعلى سلامة مواطنيها.

يُجمع هؤلاء الذين احترفوا الغوص في الذات البشريّة على صعوبة تشخيص هذا المرض، إذ قد يحتاج إلى سنوات عديدة قد تصل أحياناً إلى عشر أو اثنتَي عشرة وكذلك إلى أربعة أو خمسة أطباء (فرنسا مثلاً). بالتالي، ما زال غير مفهوم، حتى في بلدان تصالحت مع اضطرابات أهلها النفسيّة. هنا، تبرير منطقيّ لعدم جواز السؤال عن إهمال بلداننا العربيّة يوم التوعية حول الاضطراب ثنائيّ القطب. هذا المرض الذي يُصنّف خطيراً لا يختلف عن باقي الأمراض النفسيّة العقليّة التي يصعب علينا تقبّلها والتي يوصَم من يعاني منها والتي نُحاول طمسها عبر نبذ ضحاياها.

اقرأ أيضاً: أنا أجمل!  
دلالات
المساهمون