ليست مصر التي نعرف

17 اغسطس 2014
+ الخط -


لو نَهَضَ شهداء ثورة يناير في مصر، لأنكروا ما يحدث في ميدان التحرير اليوم، والميدان أيّام الثورة العظيمة كان عاصمة الأحرار وقبلتهم ثمانية عشر يوماً، كانت زاهرةً بالفنِّ والأدبِ والنضال غير اليائسِ أو الميؤوس منه، لخلع رئيسٍ جثم على العباد والبلاد أكثرَ من ثلاثين عاماً، فقدت مصر في أثنائها هيبتها بين الأمم، من أمة ودولة قائدة، إلى وكيل مسجّل باسم الولايات المتحدة الأميركيّة.

ولو خطر ببال الستِّ أن تشدو "مصرَ التي في خاطري وفي دمي"، لقضّ مضجعها فنُّ مصرَ الحديث، وَلَطُرِدَت من ميدان التحرير ومبنى الإذاعة والتلفزيون، ففن أم كلثوم لا يليق بمصر عبد الفتّاح السيسي، حيث عنوان الحضارة الجديدة، أن لا كلمات ولا نغم ولا ثقافة في الأناشيد، ما يهم فقط "هز الخصر" أمام اللجان الانتخابية، وفي الأزقة والشوارع.

ويلاحظ متابع الصحف المصريّة مدى تدنّي المستوى الأخلاقي لبعضها، وحين أقرأها، أتساءَل بحسرة، هل هذه حقاً الصحف التي كتب فيها العقّاد، ونشرت قصائدَ أمير الشعراء، أحمد شوقي، هل هذا تلفزيون "الريادة الإعلاميّة"؟ أهذه هي الإذاعات التي كانت توحّد العرب عند رأس الساعة وعند نشرات الأخبار.

والسيسي المصرُّ على تشبيه نفسه بجمال عبد الناصر، وهو قد أخذ من ناصر أسوأ ما في عهده، بيد أن ناصراً كان رجلاً ذا هدفٍ وغايةٍ وطموح، شفع له حينما خانه الأقربون والأبعدون، فما للسيسي في جعبته؟ لا هدف ولا غاية ولا برنامج ولا أيديولوجيا ولا فكر، وجلّ أحاديثه تسوّلية، وطلب المال وزيادة جشع وسيطرة العسكر على مصر. والسيسي أيضاً أخذ من السادات أسوأ ما فيه، وهو الانبطاح الأعمى أمام الغرب، واستباحة الأوطان وفتحها أمام أطماع الآخرين بلا مواربة. وأخذ، أيضاً، من نظام مبارك كل ما فيه، فلا خير في نظام مبارك يُذكر.

ما حلَّ بمصرَ حتّى عَدِمت ثقافتها وأدبها وسيطرتها، لتتسوّل المليارات والملابس من هذا وذاك؟ ولا تستغرب أن مصر كانت، حتى منتصف القرن العشرين، كاسية الكعبة المشرفّة، وكانت البعثة الطبيّة المصرية محط أنظار جميع الحجيج لتفوقها، وكان علماء مصر هامات كبيرة في العالم، وكانت لمصر صولة وجولة، وكان العرب، ولا يزالون، يعتقدون أن مصر واسطة عقد العرب، فهي آخر ما يجمعنا، فإن ذهبت مصر ذهبت ريح العرب معها، لكن مصر الحقيقة لا مصر هذي، فهذه ليست مصر التي نعرف!

7D5BB146-75A8-4BB3-AB2F-8BD54496160F
7D5BB146-75A8-4BB3-AB2F-8BD54496160F
أحمد دراوشة
كاتب فلسطيني
أحمد دراوشة