ليتيل إيجيبت صنعت ثقافتها في نيويورك

نيويورك
ابتسام عازم (العربي الجديد)
ابتسام عازم
كاتبة وروائية وصحافية فلسطينية تقيم في نيويورك. مراسلة "العربي الجديد" المعتمدة في مقرّ منظمة الأمم المتحدة.
19 يناير 2015
B0594505-DDE2-46E1-97F5-838D805415F9
+ الخط -
"ليتيل إيجيبت" هو الاسم المتعارف عليه لحي أستوريا، الواقع في منطقة كوينز في مدينة نيويورك. تنتشر فيه الدكاكين ومحال اللحوم والحلويات والملابس، كما المطاعم والنراجيل والصيدليات ومكاتب المحاسبة، بالإضافة إلى جامع. وضعت غالبيتها لافتات بالعربية والإنجليزية تحمل أسماء على غرار "ليالي الحلمية" و"ليالي بيروت" و"دوزان" و"كباب كافيه" وغيرها. اختارها أصحابها لتكون شبيهة بتلك الموجودة في بلادهم، كأنهم بذلك حملوا أوطانهم وأحلامهم إلى المكان الجديد. تقع غالبية هذه المحال في شارع ستاينواي.

تغير هذا الحي كثيراً منذ تأسيسه في القرن السابع عشر. بعد تهجير سكان أميركا الأصليين، صار يقطنه مهاجرون ألمان وهولنديون وإرلنديون وطليان ويونانيون قبارصة. في وقت لاحق، انضم إلى هؤلاء كثير من المهاجرين العرب، وخصوصاً من مصر والمغرب والجزائر واليمن بالإضافة إلى بلدان أخرى. تجدر الإشارة إلى أن الهجرات العربية إلى نيويورك تعود إلى أكثر من مائة عام، غالبيتها من سورية ولبنان وفلسطين والأردن. وتشكل الهجرات من تلك البلاد نحو ستين في المائة من نسبة العرب في الولايات المتحدة. تعد أوضاع هؤلاء الاقتصادية جيدة، وخصوصاً الذين يعيشون هنا منذ عقود، بالمقارنة مع الأقليات الأخرى.

طبخ وجاز
يجسّد "ليتل إيجيبت" إلى حد ما موجات الهجرة العربية الحديثة إلى الولايات المتحدة، وما تحمله من إخفاقات أو نجاحات في الوطن الجديد. في السياق نفسه، يقول المصري عصام الغربلي، وهو كهربائي، لـ "العربي الجديد": "أحب أن آتي إلى هنا للتسوق. أجد المنتجات المصرية ولا أشعر بالغربة. كأنني في مصر وهذا جميل". هاجر إلى الولايات المتحدة قبل نحو 12 عاماً، وغالباً ما يتردد على الحي الذي يعرف كل محاله وسكانه وقصصهم.

جميع سكان الحي يحيون الغربلي. وعلى الرغم من إصراره على القدوم إلى هنا، يشعر بالأسف لأن السكان العرب غير منظمين. يشير إلى خلو المنطقة التي تكتظ بها المحال العربية من حاويات القمامة. يقول: "تكفي المقارنة بالجزء الآخر من الشارع حيث المحال اليونانية. يبدو أكثر نظافة، كما أن مصابيح إنارة الشارع تعمل، بعكس تلك الموجودة أمام المحال العربية، إن وجدت أصلاً. البلدية زينت الجزء الآخر من الشارع بمناسبة عيد الميلاد، إلا أنها تركت الجزء العربي من دون زينة". يضيف: "ربما لو كنا يداً واحدة، لاكترث بنا المرشحون إلى الانتخابات، ولكانت الخدمات المقدمة أفضل".

ندخل إلى مطعم "كافيه كباب" الذي يملكه علي السيد. كان هذا المطعم الصغير، الذي كتبت عنه صحف عدة من بينها "النيويورك تايمز"، أحد المطاعم العربية الأولى في الحي وقد افتتح عام 1987. ينحدر السيد، ابن الإسكندرية، من عائلة عملت في تجارة البهارات. بعد دراسته الكيمياء، جاء إلى الولايات المتحدة ودرس فن الطبخ. على جدران المطعم رسومات وصور وأعمال فنية مستوحاة من تاريخ مصر، وأخرى مستوحاة من الثقافة الأميركية، على غرار موسيقى الجاز. عمل وأحد أقاربه على تصميمها.

كشري
يعكس المطعم، الذي يقدّم مأكولات إسكندرانية، حبّ السيد للحياة. يقول: "إذا عاش الإنسان لنفسه فقط سيفنى. يفكر البعض بأنفسهم فقط. أما أنا، فيكفيني المساهمة في تغيير إنسان واحد"، لافتاً إلى أن "المطبخ قد يكون أداةً مهمة في هذا الإطار". يتحدث عن تاريخ الأطباق المصرية: "لو أخذنا مثلاً الطبق الشعبي المصري الكشري، سنجد أننا عرفناه في مصر من خلال العمال الهنود، أثناء فترة الاستعمار البريطاني للبلدين".

ينتقد السيد وجود كثير من المقاهي التي تقدم النراجيل لزبائنها، لأنها تشبه بعضها بعضاً. يعتقد أن معظمها لن يستمر طويلاً، لتفتح مطاعم تكون قدرتها على المنافسة أكبر. يوضح أن "المهاجرين الجدد عادة ما يشعرون بعدم الثقة والخوف، لذلك غالباً ما يفضلون السكن إلى جانب أشخاص يتكلمون لغتهم وثقافتهم". لكنهم سرعان ما يبدؤون بمنافسة بعضهم بعضاً بدلاً من أن يفكروا بتطوير أعمالهم. يضيف "بالنسبة لي، الأهم هو تحدي الذات وتقديم الأفضل لزبائني"، لافتاً إلى أننا "نعيش في منطقة تضم أكثر من مائة جنسية، الأمر الذي ينعكس على الزبائن. يأتي إلي أناس من دول كثيرة وخلفيات ثقافية مختلفة".

ننتقل إلى دكان يحتوي على كثير من المنتجات المصرية والسورية واللبنانية والفلسطينية وغيرها. يمكنك أن تجد جميع الأشياء اللازمة للمطبخ العربي، والتي لا يمكن أن تجدها في الدكاكين الأميركية، علماً بأن بعضها، على غرار الخبز والحلويات، تصنع في الولايات المتحدة. يقول أحد العاملين: " إننا نسعى إلى استيراد منتجات فلسطينية في محاولة لدعم الاقتصاد الفلسطيني ضد الاحتلال". أثناء الحديث، يدخل زبون إلى المحل ليبدأ نقاش حول أوضاع المسلمين والعرب في الولايات المتحدة والعالم. بعدها، يتطرقان إلى الوضع السياسي في مصر، وما إذا كان الحي سيشهد تنظيم تظاهرة في ذكرى الثورة المصرية في 25 يناير/كانون الثاني. ويقدر عدد المصريين، أو الأميركيين من أصول مصرية الذين يعيشون في مدينة نيويورك، بنحو 21 ألف شخص.

يدعم كثير من المهاجرين العرب عائلاتهم التي تركوها في أوطانهم الأصلية. وتقول إحصائيات رسمية إن أكثر من نصف المتاجر والمحال في منطقة كوينز تملكها الأقليات المختلفة، وتدر نحو سبعة مليارات دولار على اقتصاد كوينز. تجدر الإشارة إلى أن كثيرين من الذين التقيناهم لفتوا إلى ارتفاع أسعار بدلات إيجار المنازل، بسبب الإقبال الكثيف على المنطقة أخيراً، ليس بسبب تنوعها الثقافي واقتصادها فحسب، بل كذلك لسهولة الوصول إليها في المترو، من منطقة منهاتن في مدينة نيويورك. كما أن بدلات الإيجار ما زالت مقبولة بالمقارنة مع منهاتن. لكن موجة الانتقال هذه، وإن كانت تساعد الاقتصاد، فهي تجبر السكان الفقراء على تركها.
دلالات

ذات صلة

الصورة
تطالب جمعيات رعاية الحيوان بتعامل رحيم مع الكلاب (فريد قطب/الأناضول)

مجتمع

تهدد "كلاب الشوارع" حياة المصريين في محافظات عدة، لا سيما المارة من الأطفال وكبار السن التي تعرّض عدد منهم إلى عضات استدعت نقلهم إلى المستشفى حيث توفي بعضهم.
الصورة
جنود صوماليون خلال تدريبات في مقديشو، 26 مايو 2022 (إرجين إرتورك/الأناضول)

سياسة

تبادلت مصر وإثيوبيا رسائل تحذير عسكرية أخيراً، على خلفية الوضع في الصومال وإقليم "أرض الصومال"، مع وصول سفينة محمّلة بالأسلحة من القاهرة إلى مقديشو.
الصورة
متظاهرون أمام الفندق يحملون لافتات تقول "فلسطين ليست للبيع" (العربي الجديد)

سياسة

تظاهر ناشطون أمام فندق "هيلتون دبل تري" في مدينة بايكسفيل بولاية ماريلاند الأميركية الذي استضاف مزاداً لبيع مساكن أقيمت على الأراضي الفلسطينية المسروقة
الصورة
طلاب أمام جامعة الأزهر في القاهرة، في 2 يونيو 2016 (Getty)

مجتمع

قررت جامعة الأزهر المصرية، الثلاثاء، وقف أستاذ العقيدة والفلسفة بقسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية في فرع الجامعة بالقاهرة، د. إمام رمضان إمام، عن العمل.