ليتذكّر بان جرائم إسرائيل ضد الأمم المتحدة

10 يوليو 2014
بان بمبنى "أونروا" دمرته إسرائيل بغزة في 2009(فرانس برس/Getty)
+ الخط -

تستطيع أي من دول العالم، العالمثالثية مثلا، أن تطرح في الجمعية العامة للأمم المتحدة موضوعا للتداول، موجزه العمل من أجل سحب الحصانة عن الأمين العام للمنظمة الدولية، بان كي مون، لمساءلته بشأن تقصيره في إجراء تحقيق موثق، فيما يتعلق بعدوان عسكري إسرائيلي على مقر وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة "أونروا" في غزة، في يناير/كانون ثاني 2009، لمّا قصفته غاراتٌ شنها جيش الدولة العبرية، كما قصفت مدارس تابعة للوكالة الأممية في غزة. زار كي مون المبنى، بعد يومين من توقف تلك الحرب الإسرائيلية على القطاع، والتي استشهد فيها أكثر من ألف مدني فلسطيني. يومها، أدلى بتصريحاتٍ في المكان عينه، طالب فيها بتحقيقٍ شاملٍ للكشف عن المسؤولين عن الهجمات على ذلك المبنى وتلك المدارس، وهي منشآت للأمم المتحدة، وليس منسياً قوله، في ذلك المقام، إنه يجب اتخاذ إجراءٍ حاسم في هذا الخصوص، من خلال نظامٍ قضائي ملائم.

ولأنه قصّر تماماً، واستهان بشأن هذه الجريمة، ولم يبادر إلى إنجاز ذلك التحقيق في تلك الجريمة، كما طالب بنفسه، فإنه، بذلك، يكون قد ارتكب ما يوجب استجوابه، علماً أن تحقيقاً غير شامل، ولا دقيقاً، سيؤشر، ببساطة، إلى مسؤولية دولةٍ عضو في الأمم المتحدة، اسمها إسرائيل، عن ذلك الاستهداف لمقرات ومبان للأمم المتحدة في قطاع غزة المحاصر. هي الدولة العضو ذاتها التي قتلَ جنديٌّ من جيشها رئيس عمليات "أونروا" في الضفة الغربية، البريطاني إيان هوك، في جنين، في نوفمبر/تشرين ثاني 2002، في جريمة لم تعقبها سوى مرثيات الأسف إياها، من الأمم المتحدة التي لم تبادر إلى اتخاذ أي عقوبة للدولة التي ينتسب إليها جيش ذلك الجندي القاتل الذي ألحق هوك بمبعوث الأمم المتحدة إلى فلسطين في العام 1948، السويدي الكونت فولك بيرنادوت. وفي الأرشيف غير المنسي أن شخصاً، شارك في جريمة قتل ذلك الدبلوماسي العتيق، شخص اسمه اسحق شامير، ترأس حكومة إسرائيل لاحقاً، وتعاملت معه الأمم المتحدة بكل اللياقات الدبلوماسية والسياسية.

تحضر الجرائم الإسرائيلية ضد الأمم المتحدة ومبعوثيها، إلى البال، وكذا واقعة بان كي مون الغزية تلك، وتقصيره المدان ذاك، عند الاستماع إلى كلمته في جلسة مجلس الأمن في نيويورك، اليوم، في الجلسة الطارئة التي خصصت للأوضاع الجارية في قطاع غزة. ساوى فيها بين "التصعيد من الجانبين"، الفلسطيني والإسرائيلي، وراح يستعرض أعداد صواريخ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" على مواقع إسرائيلية. وبدت مساحة الاختلاف بين كلمتي الأمين العام للأمم المتحدة ومندوب حكومة الاحتلال الإسرائيلي، في الجلسة المذكورة، طفيفة، وإن عمد الأخير إلى افتعال التعاطف الدعائي إياه، بإسماعه حضور الجلسة صوت صفارات الإنذار التي تأخذ الإسرائيليين في خمس عشرة ثانية إلى الملاجئ، جرّاء الصواريخ الفلسطينية.

البادي أن الأمانة العامة للأمم المتحدة لا تتخلى فقط عن روح القانون الدولي العام، ولا تتعامى عن فداحة الجريمة الإسرائيلية المتواصلة، بل إنها، أيضاً، تعتدي على الأصول الحاكمة لعمل المنظمة الدولية، ومسار أدائها، حين تماثل سقوط عشرات المدنيين الفلسطينيين بمحاولات الدفاع عن هؤلاء المدنيين، في إطلاق تلك الصواريخ المخصصة للدفاع عن النفس، والتي تتوخى ردع التوحش الإسرائيلي الذي يقذف بحمم من جحيم القذائف الصاروخية القاتلة. هي ذاتها القذائف التي دمرت نيرانها مدارس للأمم المتحدة، آوى إليها مدنيون فلسطينيون، لعل حيطانها تحميهم من العدوانية الإسرائيلية. وهذه، يتغافل عنها بان كي مون، عندما لا يؤشر إليها بالوضوح الصريح والواجب في جرائم الليالي الثلاث الماضية، وفي جرائم اعتداءات إسرائيلية عديدة سابقة، غضَّ بصره عنها، وتلعثم بشأنها، وتوهم أنه عندما يثرثر عن تحقيق ضروري (وشامل؟) بشأن قصفها منشآت للأمم المتحدة، إنما يقوم بواجبه الوظيفي الذي يلزمه به موقعه الرفيع. من يبادر من دول المجموعة العربية في الأمم المتحدة إلى سؤال الأمين العام عن ذلك التحقيق الذي لم يتم، والمحاسبة التي لم تقع؟