ليبيا على شفا انهيار صحي

01 اغسطس 2014
الخدمات الصحيّة تنهار في حال غادرت العناصر الطبيّة الأجنبيّة(Getty)
+ الخط -

تقف ليبيا التي تشهد مدنها الرئيسة تزايداً في الانفلات الأمني على شفا "انهيار كامل للخدمات الصحيّة"، بعد إعلان آلاف العناصر الطبيّة الأجنبيّة عزمها على مغادرتها نتيجة الاضطرابات المتزايدة والخطر المحدق، بحسب ما صرّح مسؤولون لوكالة "فرانس برس".

وحذّرت وزارة الصحة الليبيّة من "انهيار كامل للخدمات الصحيّة في البلاد في حال بقاء الوضع الأمني المنفلت على ما هو عليه، خصوصاً مع إعلان دولة الفليبين عزمها سحب 13 ألفاً من رعاياها بينهم نحو ثلاثة آلاف عنصر طبّي وطبّي مساعد، من مختلف المرافق الصحيّة في ليبيا، نتيجة لأوضاعها المترديّة".

وقال رئيس لجنة الأزمات والطوارئ في الوزارة، عبد الرؤوف الكاتب، إن "هذا الأمر سيترتب عليه فقدان نسبة كبيرة من قوة المرافق الصحيّة". وطالب الكاتب "مديري إدارات الشؤون الصحيّة في مختلف مناطق ليبيا ومديري المستشفيات والمراكز الصحيّة بأن ينسقوا في ما بينهم بحسب النطاق الجغرافي المتقارب، بحيث يتمّ توزيع العناصر الطبيّة الوطنيّة لغرض تغطية العجز المتوقّع في حال سحب الفليبينيّين من البلاد".

وجاء قرار مانيلا بعد إقدام مسلحين مجهولين على قطع رأس عامل فليبيني في مدينة بنغازي (شرق)، أشارت وزارة خارجيّة بلاده إلى أنه "قتل لأنه غير مسلم". وأتى اختطاف ممرّضة على أيدي مجموعة مسلحة في طرابلس الأربعاء الماضي واغتصابها، ليزيد من إصرار مانيلا على إجلاء رعاياها. ورأت وزارة الصحة الليبيّة أن "هذا الحادث سيدفع السلطات الفليبينيّة إلى تسريع عمليّة إجلاء رعاياها"، محذّرة من "انهيار الأجهزة الصحيّة في ليبيا". فهؤلاء الفليبينيّون البالغ عددهم ثلاثة آلاف يشكّلون نحو 60% من القوة الفعلية للعناصر الطبيّة والطبيّة المساعدة العاملة في ليبيا، بحسب ما أكّد مسؤولون.

وأشارت المصادر نفسها إلى أن نسبة الهنود العاملين في القطاع الصحي الليبي تبلغ نحو 20% بينما لا تزيد نسبة الليبيّين عن 18%، يضاف إليهم عدد قليل ممن تبقى من الراهبات الموجودات في ليبيا منذ عشرات السنين. ويخشى المسؤولون الليبيّون أن تحذو الهند حذو الفليبين، الأمر الذي يؤدّي عندها الى إغلاق معظم المراكز الطبيّة في ليبيا.

وأعلنت وزارة الصحة الليبيّة أن اجتماعاً عقد الأربعاء الماضي ضمّ إلى إدارة مركز طرابلس الطبي، السفيرَ الفليبيني وعدداً من أعضاء السفارة. وقد تمّ خلاله مناقشة حادثة الخطف والاعتداء على الممرّضة الفليبينيّة.

عجز كبير

وأمام هذا العجز الذي من المتوقّع أن يستنفد القدرة السريريّة في معظم مستشفيات ليبيا وخصوصاً في طرابلس وبنغازي اللتَين تشهدان معارك دامية خلفت قتلى وجرحى بالمئات، أمر وزير الصحة نور الدين دغمان بمعالجة جرحى هذه الأحداث على نفقة الوزارة في الخارج.

وطلب دغمان من "الملحقين الصحيّين في سفارات ليبيا لدى كل من مصر وتونس والأردن وتركيا وإيطاليا واليونان وألمانيا استقبال جرحى الأحداث الدامية التي تشهدها البلاد خصوصاً في بنغازي وطرابلس، لتقديم الخدمات العلاجيّة لهم على نفقة الدولة الليبيّة". وفيما تعاني جميع المراكز الطبيّة والمستشفيات في مختلف المدن الليبيّة عجزاً في قدرتها الاستيعابيّة والدوائيّة بالإضافة إلى الموارد البشريّة، فإن الأحداث الدامية الأخيرة في البلد بيّنت حدّة هذا العجز خصوصاً في مستشفيات طرابلس وبنغازي.

لكن بنغازي التي تشهد فوضى أمنيّة عارمة منذ وقت طويل، تشكو نقصاً حاداً في الخدمات الطبيّة سواء في القطاع العام أو الخاص، نتيجة تزايد حالات الاستشفاء وخصوصاً في تخصصات الحروق والحوادث. ومستشفى الجلاء الذي يعدّ المتخصّص الأول في جراحة الحروق والحوادث مغلق منذ أشهر نتيجة صراعات مسلحة دائمة بين الجيش النظامي والثوار السابقين حول أحقيّة كل من الطرفَين في حراسة المستشفى.

لذا، وأمام البنية التحتيّة شبه المنهارة للقطاع الصحي في البلد، يقع العبء الأكبر في مدينة بنغازي على عاتق مركز بنغازي الطبي الذي من المفترض أن تصل سعته الاستيعابيّة إلى 1200 سرير لا يستخدم منها سوى 300 سرير فقط. وقبل أشهر أيضاً، أغلق مستشفى الهواري العام لإجراء عمليات صيانة طارئة فيه بعدما فاضت مياه الصرف الصحي داخل غرف العمليات واستقبال المرضى، نتيجة خلل هندسي في البناء الذي أجريت له صيانة قبل سنوات كلفت ملايين الدنانير.

وهذه المستشفيات الثلاثة هي الوحيدة التي تحتوي على أقسام للطوارئ. وبعدما أغلق اثنان منها، بقي واحد فقط يمارس مهامه قدر المستطاع في غياب تام للأمن ونقص حاد في العناصر واعتداءات بين الفينة والأخرى على الأطباء والعاملين، وذلك بحسب ما أفاد المتحدث باسم مركز بنغازي الطبي خليل قويدر.

ونظراً للضغط الناجم عن كثرة الحالات، يضطرّ المتحاربون في بنغازي إلى إسعاف معظم جرحاهم عبر نقلهم إلى مستوصفات الضواحي والبلدات المجاورة للمدينة. لكن تلك المستوصفات لا ترقى لأن تكون بحجم مستشفى متكامل التجهيزات.

ومما عزّز النقص في العناصر الطبيّة والطبيّة المساعدة الوطنيّة في المستشفيات، هو أن معظم هذه الطواقم تتكوّن من النساء اللاتي لا يخرج معظمهن من بيوتهن في حال حدوث اشتباكات، نظراً لطبيعة الشعب الليبي المحافظ والأخطار المحدقة بهنّ. يضاف إلى هذا افتقار معظم العناصر الطبيّة المساعدة للمؤهلات الكافية، لتحمّل مسؤوليات الطواقم الأجنبيّة المدرّبة. وذلك لتدنّي المستوى التعليمي في البلد طوال أربعة عقود مضت. أما تعرّض مخازن أدوية للقصف أو النهب، فمن شأنه أن يفاقم الأزمة الصحيّة في البلاد.

دلالات
المساهمون