ليبيا... جنة مهاجري جنوب الصحراء باتت مقبرتهم

20 مايو 2014
+ الخط -


أوروبا ليست المكان الوحيد الذي يهدف مهاجرون من بلدان جنوب الصحراء الكبرى إلى بدء حياة جديدة فيها. فعلى مدى سنوات كانت ليبيا الغنية بالنفط عنصر جذب لهم. لكن مع ترنح البلاد على حافة الفوضى لم تعد أرض الأحلام وفرص العمل.

وبات الكثير من المهاجرين يواجه مجتمعاً عدائياً في الغالب وحكومة غير مؤهلة للتعامل مع تدفق عمالة غير شرعية حتى وإن كانت متحمسة للعمل.

وبعد أن قطع أكثر من ألف ميل في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر الصحراء الكبرى وصل الشاب أبوكار إلى ليبيا قادما من مالي على أمل أن يجني مالا يعول عائلته ثم يعود في النهاية إلى أرض الوطن.

قال أبوكار لـ "رويترز" بالقرب من طريق مزدحم يجلس فيه يوما بعد يوم على أمل أن يجد عملا "من الصعب جدا العثور على عمل. هناك الكثير من المهاجرين. جئت عبر الجزائر وكان علي دفع مبلغ طائل كي يصطحبني دليل".

ومع ندرة فرص العمل يجد كثيرون أنفسهم في مأزق، فهم بلا مال يتيح لهم السفر إلى أوروبا أو العودة إلى الوطن. وقبل الثورة كان يعمل في ليبيا بين 1.5 و2.5 مليون مهاجر وفق تقرير لمجلس اللاجئين الدنماركي. ولم تصدر بعد ذلك أي معلومات بيانات يعول عليها.

وتواجه ليبيا ضغوطاً من الاتحاد الأوروبي للقضاء على موجة القوارب التي تحاول عبور البحر المتوسط ولكنها تفشل في معالجة أحد العوامل المساهمة في هذه المحاولات. ألا وهو اليأس المتزايد لدى المهاجرين داخل ليبيا.

وفي أعقاب الصراع الليبي الذي تفجر عام 2011 تحولت الحدود التي يسهل اختراقها دائما إلى طرق سريعة نحو الشمال. وتفتقر ليبيا إلى التشريعات اللازمة التي تحدد وضع المهاجرين وحقوقهم تاركة إياهم في خوف من الاحتجاز وعجز عن تلقي الرعاية الصحية والتعليم وعن التعامل مع الجهاز المصرفي.

وتكافح الحكومة الهشة لاكتساب الشرعية وفرض سلطتها على فصائل المقاتلين السابقين. أما المؤتمر الوطني العام فتعرقله النزاعات السياسية الداخلية ولا تملك الحكومة سيطرة واضحة على المناطق الواقعة خارج العاصمة.

واقتحم رجال مدججون بالسلاح البرلمان يوم الأحد مطالبين بتعليقه جلساته وإعلان الولاء لقائد عسكري منشق تعهد بتطهير البلاد من المقاتلين الإسلاميين.

وتوقفت صادرات النفط -وهي المصدر الأساسي للعائدات في ليبيا، لحوالي عشرة أشهر بسبب الاحتجاجات ما فتح الباب أمام قضية أكثر إلحاحا وهي كيفية منع العجز في الموازنة من أن يتضخم إلى حد تصعب السيطرة عليه.

ونتيجة لهذا يخطط البرلمان لتجميد الرواتب العامة ووقف تمويل المشاريع التنموية الجديدة والحد من المواد الغذائية والمنتجات الأساسية المدعمة.

وتعاني المشاريع الكبرى ركودا في حين يتضاءل الاهتمام الأجنبي بعدما باتت حوادث الخطف أمرا مألوفا في طرابلس ومع تصاعد الهجمات التفجيرية وإطلاق النار العشوائي في الشرق.

وفي غياب قنوات التوظيف الرسمية ينتشر المهاجرون على الطرق السريعة أو عند الميادين على أمل ان يأتي من يطلب عامل بناء أو اثنين.

ففي منطقة فشلوم في وسط طرابلس ينتظر المئات من العمال عند مدخل أحد الميادين حاملين المطارق أو المعاول وجالسين بالقرب من أكياس أسمنت وأكوام حجارة ورمل استعدادا للقفز إلى أي شاحنة عابرة تنقلهم إلى مكان عمل.

البعض توجه إلى ليبيا لجمع المال اللازم لخوض الرحلة الأكثر خطورة إلى أوروبا لكن كثيرين لا يريدون إلا البقاء لأعوام قليلة ثم العودة إلى أرض الوطن.

وينتظر هؤلاء لأسابيع بين عمل وآخر في حين أمضى غالبيتهم فترة في السجن في مرحلة ما إذ إنهم يصلون إلى ليبيا دون تصاريح عمل أو حتى جوازات سفر.

أخيرا عثر أحمد جاري، وهو عامل آخر من مالي، على عمل في متجر عام في الساحة التي دأب على الوقوف فيها والانتظار لاقتناص فرصة عمل.

قال "العمل هنا يعتمد على اليوم. ينتظر حوالي 200 شخص هنا 30 منهم فقط سيجدون عملا".

ويعيش هؤلاء العمال في أحياء مكتظة ويتشارك أربعة أو خمسة في الغرفة الواحدة وهم عرضة لحملات الشرطة وبشكل أكبر للعصابات المحلية. ونظرا لأنهم لا يملكون وثائق فما من سبيل يذكر أمامهم لطلب المساعدة.

ونتيجة لذلك يتعرض هؤلاء للخداع لسلب أموالهم وغالبا ما يتقاضون أقل مما وعدهم به أصحاب العمل كما يعتبرهم اللصوص آلات لسحب النقود تمشي على قدمين إذ لا خيار أمامهم إلا حمل نقودهم معهم أينما ذهبوا.

قال أبوكار "يعاملونني أحيانا معاملة سيئة. يعدونني بمئة دينار مقابل عمل ما وبعدما أنتهي منه يعطونني 60 دينارا فقط. الأولاد في الشارع سرقوا هاتفي ونقودي".

وبغير الهاتف قد يخسر عملا ما. فعلى طول طريق سريع في منطقة أخرى من طرابلس كان مهاجرون يجلسون بالقرب من ألواح خشبية ويروجون لما يملكونه من مهارات ويضعون أرقام هواتفهم المحمولة حتى يتسنى الاتصال بهم.

وقضاء فترة في أحد مراكز الاحتجاز يكاد يكون أحد طقوس العبور إلى ليبيا. فجميعهم مر به وفي الغالب أكثر من مرة.

أحمد يرى أن رحلة الألف ميل إلى حدود ليبيا هي الجزء السهل. حتى إنه قال لأحد رجال الشرطة الجزائريين إنه متوجه إلى هناك للعثور على عمل. وبمجرد أن أصبح على مسافة تقطعها السيارة إلى طرابلس في ساعة واحدة تم اعتقاله.

وقال "أمسكوا بي أول مرة في صبراتة وسجنت لشهر وخمسة أيام. عندما كنت في صبراتة كان هناك حوالي 500 منا في السجن. جاءوا من نيجيريا أو الصومال أو إريتريا." أضاف "وفي المرة الثانية التي ألقي القبض علي فيها كنت أنتظر في الساحة وبقيت في السجن 12 يوما لأنه لم يكن معي تأشيرة دخول".

لكن لماذا يظل التدفق على ليبيا؟ نظرة سريعة إلى مالي ربما تساعد في شرح السبب. لقد دخلت البلاد في دوامة الاضطرابات عام 2012 عندما استغل إسلاميون مرتبطون بتنظيم القاعدة ثورة قادها الطوارق وسيطروا على شمال البلاد قبل أن تجبرهم عملية عسكرية فرنسية على التراجع من المنطقة.

ويوم الأحد أرسلت حكومة مالي جنودا لاستعادة مدينة كيدال الشمالية من الانفصاليين الطوارق بعد مقتل ستة موظفين حكوميين واثنين من المدنيين خلال هجوم على مكتب الحاكم المحلي.

ويرجع مجلس اللاجئين الدنماركي، وهو منظمة غير حكومية لا تبتغي الربح، جانبا من أزمة الهجرة المتصاعدة إلى أوروبا إلى عدم فهم رغبات المهاجرين إلى ليبيا.

وفي استطلاع شمل أكثر من ألف مهاجر إلى ليبيا في نهاية العام الماضي قال المجلس إنه كان هناك "فهم عام خاطئ " بأن معظمهم يريد الوصول إلى أوروبا. وقال التقرير "نصف من شملهم الاستطلاع لم يكونوا يريدون البقاء في ليبيا. و58 بالمئة منهم كانوا يريدون العودة إلى بلادهم".

أحد العوامل يتمثل في خطر عبور البحر المتوسط. وفي الأسبوع الماضي انتشلت سفن خفر السواحل والبحرية الإيطالية حوالي 14 جثة وأنقذت نحو 200 آخرين بعد غرق قارب يحمل مهاجرين في البحر بين ليبيا وجنوب صقلية.

ضحك أحد العمال من فكرة الذهاب إلى أوروبا وقال "بالنسبة لي الذهاب إلى أوروبا ينطوي على مخاطرة كبيرة ولكن البعض يحاول ويذهب بالقوارب".