يرى عدد من المحللين السياسيين في ليبيا، أنّ هدف إيران من الترحيب بمبادرة الجزائر لعقد حوار بين أطراف الأزمة الليبية، يكمن في سعيها لإبعاد نفوذ مصر والإمارات عن ليبيا، وإعادة الثقة معها، بعد اتهامها بمحاولة نشر المذهب الشيعي في ليبيا سابقاً.
وكانت طهران قد رحّبت بمبادرة الجزائر لاستضافة حوار، يجمع أطراف الأزمة الليبية في أواخر الشهر الحالي، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية عن المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية، مرضية أفخم.
واتسمت العلاقات الليبية الإيرانية بعد ثورة فبراير 2011 بالتوتر والقلق والتوجّس من نوايا إيران تجاه ليبيا. ورغم تأييد الخارجية الإيرانية لثورة فبراير، لكنّ حسابات أخرى لا تتعلق بالحرية والديمقراطية كانت وراء هذا الدعم، وفق خبراء ليبيين في الشأن الإيراني. ولم تنسَ إيران تورّط نظام الديكتاتور الراحل معمر القذافي، باستدعاء مؤسس حركة أمل الشيعية في جنوب لبنان، الإمام موسى الصدر، في الخامس والعشرين من أغسطس/آب 1978 إلى ليبيا، ومن ثم إخفاؤه ورفيقيه محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، والذين لا يزال مصيرهم مجهولاً.
تثير التحرّكات الإيرانية في طرابلس والشرق الليبي، تحفّظات كثيرين حيال الدعوات التي وجهتها طهران إلى شيوخ قبائل شرقي ليبيا لزيارتها، ومنحهم عطايا وهدايا ولقاء مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، كذلك اتهام إيران بدعم كتيبة "السويحلي" من مصراتة والموجودة بطرابلس.
وكان مفتي عام ليبيا، الصادق الغرياني، قد دعا في يونيو/حزيران من عام 2012، إلى إطلاق صيحات تحذير مما وصفه بمحاولة الإيرانيين التدخّل في الشأن الليبي الداخلي، من خلال محاولة طهران نشر التشيع في البلاد. وطالب خطباء المساجد بتحذير الليبيين من خطورة ما تقوم به إيران، ومن التدخّل في الشأن الليبي الداخلي، ونشر الفتنة بين أبنائه، مشدداً على ضرورة تصدي أولياء الأمر والأسر الليبية للألاعيب الإيرانية.
وأشار الغرياني إلى ملاحظة نشاطات مشبوهة ومشينة من قبل إيران داخل ليبيا، حيث يقومون بنشر الكتب وإقامة المعارض وإطلاق دعوات مستمرة للتشيع، معتبراً أنّ الإيرانيين يستدرجون الشباب وعامة الناس بدعوات مجانية لزيارة طهران ومنحهم إقامات في فنادق فخمة، بزعم أنّ إيران تساعد ليبيا.
وبسبب موقف إيران الداعم لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، حاول متظاهرون ليبيون في فبراير/شباط 2012، اقتحام السفارة الإيرانية، والمطالبة بإغلاقها وطرد السفير الإيراني لدى طرابلس حسين اكبالي. وطلبت حكومة عبد الرحيم الكيب من السفير الإيراني مغادرة طرابلس بسبب تحرّكاته المشبوهة واجتماعاته بقادة كتائب وشيوخ قبائل، مما حدا بالسفير الإيراني تهديد الحكومة الليبية بأنه سيعمل من خلال سفارة بلاده في تشاد على إثارة القلاقل.
واتجهت إيران التي خسرت رصيدها في المشرق العربي بعد دعمها لنظام الأسد، وتدخّلها السافر في العراق، وتوتّر علاقاتها مع دول الخليج العربي، إلى المغرب العربي بدبلوماسية نشطة، تحاول من خلالها خلق موطئ قدم لها. وسبق لوزير الخارجية الإيراني الأسبق، كمال خرازي، أن عرض، على سبيل المثال، على تونس شراء النفط بسعر التكلفة.
ووفق محللين سياسيين، تواجه إيران في ليبيا وعن طريق مبادرة الجزائر، الحلف الإماراتي ــ المصري، الداعم لتدخل عسكري في ليبيا. وتحاول الدبلوماسية الإيرانية إبعاد تأثير ونفوذ المصريين والإماراتيين عن ليبيا بدعم مبادرة الجزائر، لضرب عصفورين بحجر واحد: الأول الاصطفاف مع الجزائر ضدّ النفوذ المصري ــ الإماراتي في شمال أفريقيا، وتقوية علاقاتها الدبلوماسية والاستراتيجية مع الجزائر، أكبر دولة في الشمال الأفريقي، وثانياً إعادة الثقة التي انهارت كثيراً مع ليبيا بسبب اتهامها بمحاولة نشر المذهب الشيعي في ليبيا.
ويعتقد المراقبون أن لإيران حسابات مختلفة مع الدول ذات الغالبية السنيّة، مستدلين بأنّ دعمها لحركة "حماس" هو من ضمن استراتيجيّة تخفيف الضغط على "حزب الله" في جنوب لبنان، الحليف الاستراتيجي والعقائدي والمذهبي لإيران.
ويحذر سياسيون ليبيون من تدخّل إيران في الشأن الليبي، ومحاولتها استقطاب تيارات سياسيّة أو كتائب مسلّحة ضمن مشروعها الكبير بالتدخل في شؤون الدول العربيّة، خصوصاً بعد تصريح نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، الذي قال فيه "إن نفوذ إيران امتد جغرافياً ليصل إلى مناطق شرق البحر الأبيض المتوسط".