عادت من جديد مسألة رفع الدعم عن المحروقات في ليبيا، وذلك من أجل المساعدة في سد جانب من الفجوة المتزايدة بين الإنفاق والعائدات لدى الحكومة، ولا سيما بعد رفع الدعم السلعي من قبل المؤتمر الوطني العام بطرابلس خلال العام الماضي.
وقال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بطرابلس، فائز السراج، في مقابلة مع قناة محلية، إن المجلس الرئاسي سوف يرفع الدعم عن المحروقات؛ وذلك للقضاء على عملية تهريب البنزين مع توفير مبالغ مالية للمواطنين. وتواجه الحكومة الليبية نقصاً مريعاً في موارد العملة الصعبة، رغم التحسن في مستوى صادرات النفط التي بلغت 600 ألف برميل يومياً خلال الأسبوع الماضي.
وفي هذا الصدد، قال عميد كلية الاقتصاد بجامعة طرابلس أحمد أبولسبن، أن البلاد لا توجد بها سيولة بشأن الدعم النقدي، والمصرف المركزي يصرف الرواتب بعد كل شهرين لـ1.5 مليون موظف حكومي، كما أن هناك رواتب متأخرة تصل إلى أربعة اشهر، مثل رواتب العاملين بشركة الكهرباء.
وأوضح أبولسبن في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن البلاد تفتقر إلى مقومات الحياة من تردي الأوضاع المعيشية، وغياب الرعاية الصحية والخدمات العامة، فضلاً عن عدم الاستقرار السياسي، وكيف أنه وسط هذه الظروف سيأتي رفع الدعم عن المحروقات. وتوقع في حال رفع الدعم حدوث مظاهرات تؤدي إلى حرق محطات الوقود.
وفي المقابل، أكد مدير سوق الأوراق المالية السابق سليمان الشحومي لـ"العربي الجديد" أنه لا مناص من رفع الدعم عن المحروقات، وتخفيف العبء عن الميزانية العامة ووقف تهريبه خارج البلاد . وقال لست أدري هل بالإمكان إقرار هذا الإجراء دون وجود حكومة قادرة على التنفيذ.
من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي، علي الصلح، أن رفع الدعم على المحروقات الذي يكلف الخزينة العامة 11 مليار دينار سنوياً يصبح أمراً ضرورياً وسط عجز الموازنة العامة، وتراجع أسعار النفط عالميا، وأن استمرار الدعم يناقض خطط ترشيد الإنفاق الحكومي. وأضاف أن بعض أسعار المنتجات المدعومة تمثل مدخلاً لإنتاج سلع أخرى، وبالتالي فإن رفع قيمة المدخلات سيؤثر بالضرورة علي أسعار المنتج النهائي. ويقول من هنا، فإن أي قرار اقتصادي في هذا الشأن يجب أن يأخذ بعين الاعتبار جميع هذه القضايا المتشابكة، وهي مسألة ليست بسيطة.
ورأى مواطنون التقتهم "العربي الجديد" وسط العاصمة طرابلس، أن رفع الدعم على المحروقات يؤدي إلى ارتفاع أسعار سيارات النقل وبالتالي أسعار السلع. وأشاروا إلى أن "الوقود غير مدعوم سيرفع أسعار السلع الغذائية، وكذلك المحروقات الأخرى؛ والتي لها ثأتير مباشر في أسعار الخبز "، وبالتالي ستؤثر على شريحة الفقراء بشكل كبير؛ مما يفاقم الأزمات المعيشية على المواطن.
وكانت الحكومات المتعاقبة في ليبيا قدمت مشروعاً لإصدار بطاقة ذكية لتوزيع المشتقات النفطية، بحيث تصل إلى المواطن بكل يسر، وذلك في إطار اهتمامها بوصول دعم الوقود إلى مستحقيه والقضاء على ظاهرة التهريب، وبناء قاعدة بيانات لمعرفة فئات المستهلكين بدقة، ولكنها بقيت حبيسة الأدراج المكتبية.
ولجأت ليبيا إلى اتخاذ عدة إجراءات تقشفية، بسبب تراجع احتياطي النقد الأجنبي، وتدني إنتاج النفط وانخفاض أسعاره عالمياً، فضلاً عن ارتفاع عجز الموازنة العامة خلال العام الماضي إلى 25 مليار دينار (18.2 مليار دولار).
ووصلت تكلفة دعم الوقود في ليبيا إلى 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011، إذ بلغ في متوسط الدعم للفرد حوالي 487 دولاراً سنوياً. ووفقا لبيانات وكالة الطاقة الدولية يبلغ استهلاك ليبيا من المنتجات النفطية ستة ملايين وثمانمائة واثنين وسبعين ألف طن متري، حوالى 76.6 مليون برميل في السنة. ولم يكن دعم استهلاك الطاقة في ليبيا يتجاوز 300 مليون دينار سنوياً حتى نهاية عام 2004، حين كان سعر النفط يتراوح بين 22 و28 دولاراً للبرميل، وكان يتركز في دعم بنزين السيارات، ثم ارتفع دعم المحروقات بشكل كبير السنوات الأخيرة.
وبلغ استهلاك الفرد في ليبيا 22.3 لتر بنزين للسيارات يومياً في 2013، بينما في دول نفطية أفريقية مشابهة أقل بكثير، حيث معدل استهلاك الفرد في الجزائر 3.3 لترات يوميا ونيجيريا 2.5 لتر يومياً.
وتقول دراسات حكومية، إذا استمر الارتفاع في الطلب بنفس الوتيرة الحالية، فإن الاستهلاك النفطي المحلي في البلاد سيصل في عام 2020 إلى ما يقارب 350 ألف برميل يومياً؛ وهو ما يشكل تقريبا 20% من الطاقة الإنتاجية المتوقعة بـ 1.7 مليون برميل يومياً.
وتعتمد ليبيا على 5 مصاف لتكرير النفط، ويغطي إنتاجها 30 % من احتياجات السوق المحلي، بينما تعتمد على الاستيراد لتغطية 70 % تقريباً من احتياجات البلاد. وتراجع حجم إنتاج المصافي الليبية من النفط على مدار الفترة الماضية لتعمل بنصف طاقتها تقريباً، وتصرف ليبيا شهرياً 560 مليون دينار لدعم المحروقات.
وكان وزير النفط الليبي بحكومة الإنقاذ الوطني الليبية (المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام في طرابلس)، ما شاء الله الزوي، قال في تصريحات سابقة، إن 35% من الوقود المدعوم يهرب للخارج. وقدّر قيمة ما يتم تهريبه من محروقات بنحو 2.5 مليار دينار، بكميات تصل ما بين 300 و400 مليون برميل شهرياً. ويكلف لتر البنزين ليبيا نحو 1.25 دينار (91 سنتاً) بينما يباع بنحو 20 قرشاً (حوالى 14 سنتاً).