ليبيا: النازحون يرفعون إيجارات المساكن بالمناطق الآمنة

18 يونيو 2016
وسط طرابلس الأعلى في قيمة الإيجارات (فرانس برس)
+ الخط -

رفع نزوح الليبيين عن مناطق الصراع المسلح، من أسعار الإيجارات في المدن والأحياء الآمنة، ولا سيما في وسط العاصمة طرابلس وضواحيها وبعض المدن الساحلية الغربية، التي يقصدها الفارون من الاشتباكات.
وتعد مدينة سرت في منتصف الساحل الليبي على البحر المتوسط شمال البلاد، من أبرز مناطق النزوح حالياً، في ظل الاشتباكات بين قوات حكومة الوفاق الوطني التي تسعى لتحرير المدينة من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية.
كما تشهد مناطق ساحلية شرقية أخرى، منها بنغازي، عمليات نزوح من جراء وقوع اشتباكات، باتجاه مناطق أكثر استقراراً وسط طرابلس وبني وليد على الساحل الغربي والجفرة (جنوب).

ويلجأ أغلب النازحين إلى العاصمة الليبية، لتوفر بعض الخدمات العامة والسيولة المصرفية ووسائل النقل، بينما يذهب أخرون إلى الجفرة وبني وليد، حسب ميلاد الفرجاني، النازح من مدينة سرت، الذي أشار إلى أن طرابلس تعد أفضل من المناطق الأخرى من حيث الأوضاع المعيشية، لكن أسعار الإيجارات فيها مرتفعة بنحو كبير مقارنة بالمناطق الأخرى.
وبدأ تنظيم الدولة الإسلامية في التوسع في ليبيا في 2014 مع تفاقم الاضطرابات السياسية والصراع في البلاد.‭ ‬وسيطر بشكل كامل على سرت العام الماضي، ولكنه وجد صعوبة في الاحتفاظ بأراض أو كسب تأييد في مناطق أخرى بليبيا، فيما تشهد مناطق أخرى من البلاد صراعات مسلحة بين أطراف متناحرة، ما يجعل الأمن غير مستقراً في الكثير من المناطق الليبية.
ويقول فاضل التاجوري، سمسار عقارات في طرابلس، إن أغلب النازحين يحبذون ضواحي العاصمة، فالأسعار وسط طرابلس مرتفعة جداً.
ويوضح التاجورى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن سعر الاستوديو (غرفة وصالة) ارتفع إلى 750 ديناراً (548 دولاراً) شهرياً، بينما كان خلال العام الماضي 500 ديناراً (365 دولاراً)، بارتفاع بلغت نسبته 50%، في حين كانت الأسعار قبل عام 2011 لا تتعدى 250 ديناراً.
ويشير إلى أن هناك إقبالا شديدا على الإيجارات، بسبب نزوح العائلات في المناطق المنكوبة، ولاسيما في سرت وبنغازي، وبعض المناطق النائية التي يرغب سكانها في الانتقال للمدن الساحلية لتوفر الخدمات والسيولة في المصارف.

وبحسب إحصاءات مصلحة التعداد السكاني (حكومية)، فإن طرابلس يقطنها نحو مليوني نسمة من إجمالي سكان ليبيا البالغ عددهم 6.5 ملايين نسمة.
ويقول البوعيشي الترهوني، الذي يدير شركة عقارية، إن هناك استغلال لوضع النازحين في بعض المناطق، حيث يجري رفع الإيجارات.
لكن الترهوني، يشير إلى بعض المبادرات التي قام بها الأهالي بخفض الإيجارات أو التخلي عنها، لكن أغلب هذه المناطق تقطنها قبيلة واحدة والعرف الاجتماعي لا يسمح بالاستغلال.

ويحبذ المواطن فتح الله الفرجاني (55 عاما) من سكان سرت، البقاء في منزله وتحمل المخاطر الحالية، بدلا من العراء والبحث عن مسكن في مناطق أخرى، بينما يعول أسرة مكونة من ستة أفراد، ويتقاضى راتبا شهريا بقيمة 850 ديناراً (620.8 دولاراً) لم يحصل عليه منذ شهرين.
ويقول الفرجاني لـ"العربي الجديد"، إن المؤجر يطلب في الغالب شهرين أو ثلاثة أشهر مقدماً بقيمة 800 دينار شهرياً، فضلا عن غلاء المعيشة، وهو ما يجعل الانتقال إلى مسكن في طرابلس أو مناطق أخرى أمراً صعباً.

وفي ظل غلاء الإيجارات، يلجأ بعضهم إلى مناطق جنوبية، كما يشير علي رضوان، الذي نزح عن قرية القداحية في سرت، إلى مدينة الجفرة، الذين أبدوا تعاطفا كبيراً مع النازحين.
وقام أهالي مدينة هون في بلدية الجفرة بالتنازل عن قيمة الإيجارات الخاصة بالمنازل التي استأجرها نازحون من مدينة سرت، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الليبية "وال" مؤخراً.
ويقول شعبان المنتصر، الخبير العقاري، إن هناك عدة أسباب وراء ارتفاع أسعار الإيجارات في ليبيا أولها زيادة أعداد النازحين في ظل عدم وجود استقرار أمني وسياسي، وتوقف أعمال البناء ومحدودية المعروض.

ويضيف المنتصر في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك دراسات من عام 2005 تشير إلى أن ليبيا بحاجة إلي 450 ألف وحدة سكنية ومعظمها خارج مدينة طرابلس لمنع تدفق السكان إلى العاصمة ومنع البناء العشوائي، وتم الشروع في بناء وحدات سكنية ضمن البرنامج التنموي 2008 و2012، ولكن كل المشاريع توقفت بعد عام 2011 وغادرت الشركات الأجنبية ولم ترغب في العودة حتى يومنا هذا وظل العجز يتراكم كل سنة.

ويتابع أن عدد سكان طرابلس في تزايد منذ نحو 6 أعوام، كونها أكثر المناطق الآمنة في ليبيا، مما تسبب في ارتفاع سعر المترو الواحد في العقارات وسط المدينة إلى ما يعادل 5 آلاف دولار، وذلك نظراً لتوقف القطاع المصرفي عن منح قروض لبناء الوحدات السكنية بسبب عدم الاستقرار في البلاد.
وبحسب محمد المصراتي، الناطق الرسمي باسم جمعية الهلال الأحمر الليبي، فإن عدد النازحين في ليبيا بلغ نحو 600 ألف نازح موزعين على مختلف أنحاء البلاد، بينما تشير التقديرات غير الرسمية إلى تخطيهم هذه المستويات.

ويشير بشير محمد، الباحث الاقتصادي، إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها أغلب النازحين، دفعت الكثير إلى تفضيل البقاء في الأماكن العامة، مثل المدارس أو مقرات الشركات الأجنبية، ولا يستأجر منزلاً نظير عدم وجود سيولة وتقليل المصروفات، ولا سيما أن أغلب الليبيين يشتغلون في القطاع الحكومي والمرتبات تتأخر لشهرين وأكثر.
ويقول إن ليبيا تعاني أزمة سكن منذ عام 2000، ويقدر العجز التراكمي في الوحدات السكنية بنصف مليون وحدة تحتاجها ليبيا سنوياً للقضاء على أزمة السكن.

لكن القدافي محمد، مدير إدارة الإعلام في جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق، يقول إن الجهاز سلم العديد من المشروعات في الفترة بين عامي 2012 و2013، كما أن هناك مشروعات نسبة الإنجاز فيها تصل إلى 98%، مثل مشروع قنفودة الذي تنفذه شركة صينية في بنغازي والتي غادرت بسبب الاشتباكات المسلحة هناك.
ويضيف محمد في تصريحات خاصة، أن سبب عدم رجوع الشركات الأجنبية يعود إلى أزمة التقشف التي تمر بها ليبيا، فضلاً عن عدم الاستقرار الأمني.

وأظهرت بيانات رسمية أن ليبيا أنفقت ما يزيد على نصف احتياطاتها من النقد الأجنبي في 4 أعوام، لتعويض تراجع إيراداتها الحيوية من النفط بسبب الصراع، الذي تشهده البلاد وانخفاض أسعار الخام عالمياً منذ منتصف العام 2014.
وبلغت احتياطيات مصرف ليبيا المركزي نحو 39 مليار دولار نهاية العام الماضي 2015، مقابل 84 مليار دولار بنهاية عام 2010.



المساهمون