لو عدنا بالزمن إلى الوراء

21 ديسمبر 2016
+ الخط -
أحياناً، نتحسر لمآلات الأمور، ونتمنى لو أنّها لم تقع، ولم يحدث ما حدث، وحين ننظر إلى سيرورة الأحداث الكارثية، نرى أنّ زلات بسيطة ساهمت بشكل كبير في اعوجاج المسار، ماذا لو استطعنا تغيير التاريخ؟ ماذا لو عدنا إلى الوراء لكي نعيد بناءه؟
سأتوجه يوم 10 ديسمبر 2010 إلى سيدي بوزيد في تونس، لأبحث عن الشاب محمد البوعزيزي وأقبّل رأسه، وأذرف دموع الانبهار، بوقوفي جانب رجل كان سبباً في انتفاضات نزعت هاجس الخوف الذي سيطر على قلوبنا سنوات، وأخبره بأنّه مقبل في يوم غد الجمعة 17 ديسمبر، على حدث عظيم سيغيّر الكثير في بلاده والمنطقة المحيطة.
وأتم رحلتي بعدها إلى أرض الكنانة، بعد الانتخابات الرئاسية 2012، لأخبر السيد محمد مرسي بأنّ العسكر يعدون لكم فلا تنجرّوا إلى ملعبهم، فأنتم تعلمون جيداً أنّهم أصحاب السلطة في بلدكم، فكونوا حذرين. المرحلة لا تقتضي محاولة السيطرة على الحكومة، المرحلة انتقالية، وتوجب بسط اليد لكلّ الفرقاء السياسيين، للمساهمة في بناء الوطن من جهة، والحد تدريجياً من سيطرة المؤسسة العسكرية.
بعدها سأتوجه إلى اليمن، لأحذرهم من الوثوق بالحوثيين، فقد تحوّل شعار "الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام" إلى حبرٍ على ورق، ووجهوا مدافعهم إلى منازل اليمنيين ومتاجرهم، وصوبوا بنادقهم إلى صدور المدنيين، سأحذر الشعب اليمني، وكذلك ذوي النيات الحسنة من الأحزاب والسياسيين من هول ما سيقع، حتى يتخذوا احتياطاتهم، ويعملوا على فتح أبواب الحوار بين الفضلاء، وكلّ من له غيرة على الوطن، بعيداً عن التدخل الخارجي، وتجاوزاً لاختلاف الآراء والعقائد.
وسأقصد بلاد الرافدين، وأقول للعراقيين إنّ فتنة طائفية على الأبواب، ويجب أن تضعوا أيديكم في أيدي كل الطوائف في البلاد، وتقفوا صفاً واحداً، محاولين النجاة من مطرقة النظام وسندان الجماعات الإرهابية، فإنّ الوطن ملك للجميع، وليس لفئة دون أخرى، والإقصاء لا يجدي نفعا، والسلام هو السبيل، ولا تنخدعوا بالشعارات الرنانة التي يرفعها "داعش"، ولا دموع التماسيح التي تذرفها جماعات إيران الطائفية.
ثم أقصد الشام، وما أدراك ما الشام، لأهمس في آذان أهلها؛ إنّ الغرب يتربّص بكم، والروس يعدّون لكم والفرس قد تحالفوا ضدكم، ففكروا وخطّطوا ودبّروا أموركم، ولن يمنعكم هذا من المضي في مطالبكم، فإنّ نظام الأسد طغى وتجبّر، وحان وقت إسقاطه، وجرّبوا أن تسيئوا الظن بغير الشعب، لا تحسنوا الظن بإيران التي كانت، بالأمس القريب، تبارك الربيع، وتقول إنّه امتداد للثورة الإسلامية، كان ذلك قبل وصوله إلى سورية. أما الآن، فقد صار في أعينها مؤامرة غربية، ستتصدى لكم إيران وحزبها اللبناني ومليشياتها رفقة النظام الأسدي، وبتحالف مع روسيا، وتواطو من بلاد العم سام، سيسكت العالم عن معاناتكم، لن يلتفت إليكم أحد، وإن التفتوا في منابر الإعلام، فلا أفعال توقف سيلان الدماء، فلا تساهموا في تكريس التفرقة، فتذهب ريحكم. إنّ السني والشيعي والمسيحي إخوة في الإنسانية وشركاء الوطن، فلا تدعوا أحداً يشوّش علاقتكم.
وسأتوجه إلى المغرب، لأبارك للشعب خروجه في حركة 20 فبراير واحتجاجه السلمي، وسأقول إنكم كنتم مساهمين في صناعة مرحلة مهمة من تاريخكم، حاولتم على الرغم من كل العقبات، وعلى الرغم من التفاف الأيادي المخزنية، فقد كسرت الحركة حاجز الخوف، وقدّمت ما كان في وسعها أن تقدمه. لا تنخدعوا بالخطابات الرسمية الرنانة، ولا تصدقوا أنّ دستوراً سهر على إنجازه أناس في غرفة مغلقة داخل القصر سيحول المغرب إلى بلد ديمقراطي.
أكتب هذه السطور في أواخر سنة 2016، في محاولةٍ يملأها الأمل، لتصحيح وتوجيه ما كان سيقع ولو في بضع سطور، صحيح أنّ الحسرة على أرواح الشهداء تملأ قلوبنا. لكن، على الرغم من ذلك، فمقالي هذا لا يعبّر عن الندم، فلست ممن يقولون إنّ هذه الانتفاضات كانت خاطئة، ولم تكن كذلك مخططاً غربياً، لا أبداً. كانت لحظة غضب شعوبٍ سئمت من الاستبداد، وقرّرت اقتلاعه من الجذور، الشيء الذي لم يخدم مصالح الغرب في المنطقة، فسخر لوأد هذه اليقظة الغالي والنفيس. لكن، على الرغم من ذلك، فلم يذهب هذا الحراك هباء منثوراَ، بل قدّم الكثير، وفضح من ارتدى جلباب الشعوب عقوداً، وبيّن من يقف جنب المستضعفين، ومن يحب مناصرة الظالمين، لكن المرحلة القادمة للربيع ستكون مغايرة للأولى، في المنطلقات والأهداف، وربما حتى في الوسائل.
B0CB5C84-828A-46C8-BC25-5C024AFBC08E
B0CB5C84-828A-46C8-BC25-5C024AFBC08E
شفيق عنوري (المغرب)
شفيق عنوري (المغرب)