عوقب بالحبس مدة 29 عاماً لأنه اغتصب جارته. وقعت هذه الحادثة في دنفر في أميركا منذ 29 عاماً. أما في لبنان، فلو حدثت تلك الحادثة، لكانا اليوم جدّاً وجدة ربما لأن المحيط والأهل كانوا ليجبروا الضحية على أن تتزوّج من المغتصب/المجرم، وحينها كان القانون ليحمي المغتصب من العقاب والسجن. الاغتصاب في لبنان ليس جريمة كاملة إذاً، فالمادة 522 من قانون العقوبات لا تعترف بجرم الفاعل، وتشير إليه في النص كـ"مرتكب".
لا ندري إذا كانت الثغرة الكبيرة في المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني مزحة ثقيلة أم لا. تنص المادة على أنه "إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب [...] الاغتصاب وبين المعتدى عليها". الزواج الصحيح بحسب كل المنظومات يقوم على أساس القبول والرضى. في حالة جريمة الاغتصاب، عن أي رضى وقبول نتكلم؟ النساء ضحايا الاغتصاب في مجتمعاتنا (إن تكلّمن وبلّغن)، فبالتأكيد وقطعاً لن يقبلن ولن يرضين بالزواج من مغتصبهن.
علاوة على ذلك، فإن الأمر الأكثر صفاقة في نص القانون هو بربط إعفاء "المجرم" من الجريمة بعدد سنوات معينة يجب أن يبقى فيها عقد الزواج "سارياً". بمعنى أن القانون يوقف ملاحقة "المرتكب" إذا تخطى زواجه من الضحية مدة زمنية معينة (ثلاث سنوات). يحمل القانون إذاً بعداً آخر، هو يرهن مصير وكرامة وحياة امرأة بمجرم ومغتصب، لمدة زمنية محددة، ليُعفى من الملاحقة بعد انقضائها.
الاغتصاب في لبنان وفي معظم البلدان العربية جريمة مع وقف التنفيذ، ويمكن أن تتحوّل الجريمة إلى "عرس" برضى الوالدين والمجتمع. في لبنان، تشير التقارير الرسمية إلى أن ما معدّله سبع نساء تقريباً في الشهر، تعرّضن لاعتداء أو تحرّش أو اغتصاب، خلال عام 2016. لكن هذا الرقم هو عدد النساء اللواتي بلّغن السلطات الرسمية، ولا يمكن أن يعكس أبداً عدد اللواتي يتعرّضن للاعتداء الجنسي. من غير الممكن أن نعرف عدد النساء ضحايا الاغتصاب أو التحرّش الجنسي. لكن الأرقام في أميركا تشير مثلاً إلى أن امرأة تتعرض لاعتداء جنسي كل دقيقتين. وعالمياً، ستة من أصل كل 1000 شخص يبلّغون في حالة التعرض للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي.
علينا أن نشجّع المرأة على التبليغ عن حالة الاعتداء أو التحرّش الجنسي. يجب أن تتم تسمية المجرم والتشهير به. لكن في مجتمعنا، التشهير لن يكون إلا على حساب الضحية. تقول بعض النساء ضحايا الاغتصاب: "لو بلّغنا، سيكون من الصعب التخلّص من الغيمة السوداء التي سترافقنا علناً ما حيينا. الجميع سيشير إلينا بإصبعه، والأهم، لن تنصفنا العدالة وسيستنزفنا مسارها الطويل. كل ما نريده هو نسيان حادثة الاغتصاب". لذلك، يجب أن نكون جميعنا جاهزين للتبليغ عن المجرم، وليس الضحية فحسب.
*ناشطة نسوية