كانت الحاجة دافعاً لفنانات فلسطينيات في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، لاكتشاف وسائل جديدة واستخدامها في الرسم، بينهن الفنانة ولاء أبو العيش التي استخدمت البهارات كالكمون والقرفة لتلوين لوحاتها. أما سلوى سباخي، وهي أيضاً من رفح، فكانت قد استخدمت القهوة في الرسم، ونظمت معارض كثيرة.
من جهتها، اختارت خلود الدسوقي الرسم من خلال مساحيق التجميل. عملت على تجميل لوحات فنية كثيرة، أهمّها لوحة تجسّد الطفل علي دوابشة، الذي توفي حرقاً بنار المستوطنين.
ثلاث فنانات من المدينة نفسها، اخترعن طرقاً جديدة ومميزة لرسم لوحاتهن. تبقى تسنيم الجمل التي اختارت الرسم بالبصمة. بأصابعها، تملأ بياض اللوحة بالألوان بإتقان وإبداع. تعبر عن أفكارها وأحلامها وانتمائها لقضاياها وهموم أبناء شعبها. تساندهم من خلال الألوان. هذا أسلوبها لترك بصمة في المجتمع.
تسنيم الجمل (20 عاماً) هي من سكان مدينة رفح جنوب قطاع غزة. نجحت في ابتكار أسلوب جديد للرسم، ووضع بصمة مميزة لها في عالم الفن. بدأت اعتماد هذا الأسلوب الجديد في الرسم في الجامعة، وتحديداً خلال إحدى المحاضرات، علماً أنها تدرس الفنون الجميلة. تقول لـ "العربي الجديد": "أثناء إحدى المحاضرات، كنت أفكر بأساليب الفن الحديث ووجدت أن بصمة الإصبع قد تكون مثل فرشاة الرسم، لكنها مميزة بشكلها الفريد".
تؤكد الجمل أن بصمة الإصبع هي بمثابة شكل جديد من أشكال التعبير. ترى الأمر مميزاً "لأن لكل إنسان بصمته المميزة"، مشيرة إلى أن "البصمة تمنع السرقة، إذ يمكن التعرف على اللوحة بسهولة". تتمنّى لو تتمكّن من تسخيره لمناصرة قضايا مجتمعها الفلسطيني. من خلال إبهامها وسبابتها، تمزج الألوان، ثم تبدأ بمداعبة لوحتها البيضاء بدقة متناهية، إلى أن تكتمل.
في غرفتها لوحات كثيرة، فقد عشقت الرسم مذ كانت صغيرة. وعملت باستمرار على تطوير موهبتها. تقول الجمل: "أحببت الرسم منذ صغري. متى ما أمسكت ألواناً بين يدي، أبدأ بالرسم على الورق. بدأت موهبتي في المدرسة، وقد شجعتني المدرسات وحتى زملائي على صقل موهبتي. وشاركت في معظم المسابقات التي كانت تُجرى في المدرسة".
تركت الجمل دراستها للرياضيات بعد شهر، واختارت دراسة التربية الفنية في جامعة الأقصى. تقول: "هنا بدأت أتعرف على أنواع مختلفة من الرسم"، مضيفةً: "دائماً ما كنت أبحث عن أسلوب يميزني عن بقية الفنانين، إلى أن اخترت الرسم بالبصمة الذي لاقى إعجاباً كبيراً".
شاركت الجمل في الكثير من المسابقات وحازت على جوائز عدة، إلا أن طموحها دفعها إلى متابعة طريقها، مؤكدة أنها تطمح لأن تكون علامة بارزة في الفن التشكيلي الفلسطيني. لم تستطع، وهي ابنة فلسطين، الجلوس مكتوفة اليدين تراقب انتفاضة الأقصى من بعيد، من دون أن تكون جزءاً من هذا المشهد. قررت المشاركة والمقاومة على طريقتها، مستخدمة أسلوب فنها الجديد وبصمة إصبعها، لترسم لوحات تحاكي الواقع الفلسطيني.
تقول لـ "العربي الجديد": "كنت أتمنى وأحلم بالمشاركة مع الشباب في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وجنوده في القدس والضفة الغربية، على الرغم من كوني محاصرة في قطاع غزة". تضيف أن "اللوحات الفنية قد تكون الدافع الأول والأكبر"، وتسعى إلى أن يكون لها لمستها الخاصة في مجال الفن التشكيلي.
ولأنها ابنة هذا الوطن، عبرت عن قضاياه وهمومه ببصمتها، من خلال مجموعة لوحات ساندت انتفاضة القدس، وهذه مجرد مساهمة رمزية يمكن أن تقدمها للشباب الفلسطينيين الأبطال الذين يقاومون الاحتلال. توضح لـ "العربي الجديد": "رسمت شاباً يرتدي كوفية، رمز الثوار. وأهديت هذه اللوحة لكل شاب ثائر ومقاوم في الضفة الغربية".
لم تغب الفتاة الثائرة أيضاً عن أعمال الجمل. رسمت فتاةً ملثمة لتقول إنه ليس هناك فرق بين الرجل والمرأة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. "كلّنا في صفٍ واحد". رسمت أيضاً خنجراً على شكل خريطة فلسطين، في إشارة إلى الأداة التي استخدمها الشباب لطعن العدو الإسرائيلي. وكان لها لوحة أيضاً تجسد طفلاً يحمل مفتاح العودة، في إشارة إلى "تمسكنا بحق العودة"، مؤكدة أن "جميع هذه الرسومات هي تأييد ومناصرة لانتفاضة القدس".
تؤمن الجمل بأن للفن رسالة. لذلك، تعمل على تسخيره لخدمة قضيتها وإبراز ما يدور على الساحة الفلسطينية ونقله للعالم بصدق تام، "وخصوصاً أن للفن تأثيره في النفوس".
اقرأ أيضاً: آمال شحادة.. أوّل امرأة غزيّة تعملُ في النجارة