على الرغم من العنف النادر الذي تخللته مناظرة المرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية، إيمانويل ماكرون ومارين لوبان، مساء الأربعاء الماضي، والذي اعتبره كثيرون أسوأ مناظرة في تاريخ الجمهورية الخامسة، خصوصاً بسبب أداء مرشحة حزب "الجبهة الوطنية" التي لم تنتظر طويلاً حتى تبدأ بمهاجمة خصمها وتكشف عن الجوّ العام الذي ستكون عليه ساعتان ونصف من مناظرة تلفزيونية شاهدها أكثر من 16 مليون فرنسي. وألقت لوبان بكل أسلحتها في المناظرة التي لم تحمل من المناظرة غير الاسم.
وإذا كان الكثير من الفرنسيين، الذين لم يقرروا بعد لمن سيمنحون أصواتهم في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية يوم الأحد المقبل، يتوقعون نقاشاً حاداً، عبر مقارعة برنامج بآخر، والحجة بالحجة، إلا أنهم اكتشفوا لوبان وكأنها في لقاء جماهيري أمام أنصارها. وغابت المواضيع المهمة، خاصة في ما يتعلق بالاقتصاد وباليورو، وهي مسائل كشفت فيها لوبان عن جهل كبير بشأنها، وسط اكتفائها بتوجيه اتهامات وشتائم بالجملة لمنافسها.
وإذا كانت استطلاعات الرأي، قبل المناظرة، تضع ماكرون في وضعية الفائز (60 في المائة مقابل 40 في المائة)، فإن لوبان دفعت بكل خطابها "العنيف" من أجل ضمان تصويت جمهورها، وأيضاً بعض ناخبي حزب "الجمهوريون"، عبر تكرار اتهام ماكرون بأنه وريث الرئيس الحالي، فرانسوا هولاند، وتصويره بالتالي كمسؤول، بشكل ما، عن حصيلة سنوات حكم هولاند الخمس. وخلال المناظرة، أطلقت لوبان مواقف حادة سواء في ما يتعلق بالهجرة والتطرف الإسلاموي وببعض الجمعيات الإسلامية في فرنسا، فضلاً عن وصفاتها الجاهزة المتعلقة بمراقبة الحدود وطرد كل من تشتم فيه رائحة التطرف، بما في ذلك تجريد الفرنسيين الذين يحملون جنسية ثانية من جنسيتهم الفرنسية، وإفراغ السجون من غير الفرنسيين شرط قضاء ما تبقى من عقوبتهم في بلدانهم.
والهدف الرئيسي للوبان كان، مساء الأربعاء، الحصول على تصويت بعض الجمهور الفرنسي الذي قررت كل قياداته التصويت، من دون مواربة، ضد لوبان. كما أنها من خلال تشديدها، إلى حد مبالغ فيه، على السيادة واستقلالية القرار الفرنسي والدفاع عن الشركات الفرنسية في مواجهة المنافسة الأجنبية، أو ما تسميه لوبان بـ"الحمائية الذكية"، حاولت مغازلة بعض أنصار المرشح اليساري الراديكالي، جان لوك ميلانشون، وحركته "فرنسا غير الخاضعة"، الذين يرفضون البرنامج الليبرالي لماكرون وعلاقاته الملتبسة مع عالَم المال وأرباب العمل، والذين يرون فيه المدافع عن "النخب" ضد الشعب. ولكن موقف الناطق باسم حملة ميلانشون، ألكسيس كوربيير، كان واضحاً لجهة إدانته لكل ما عبّرت عنه لوبان "بسبب أكاذيبها، ولُغَتها التي تستخدمها لإرباك عمّال هذا البلد، والتي لا تحمل في التفاصيل أي حق جديد لهؤلاء"، وفق قوله. لكن كوربيير اعتبر مناظرة مساء الأربعاء بين المرشحين، رديئة وأنها "ليست في مستوى الرهانات"، منتقداً عدم التطرق فيها لقضايا كثيرة كان الفرنسيون ينتظرونها، كالمسائل البيئية وتسريح العمال وغيرها، وفق قوله.
اقــرأ أيضاً
مناظرة حاسمة؟
وأتى آخر استطلاع للرأي ظهر بعد المناظرة، ليمنح ماكرون مكانة مريحة بنسبة 63 في المائة، مقابل 34 في المائة للوبان، ويظهر أن 69 في المائة من الفرنسيين لم تقنعهم لوبان، مقابل 55 في المائة لم يستطع ماكرون، هو الآخر، إقناعهم. لكن وبغض النظر عن نتائج هذا الاستطلاع للرأي، فقد كانت هذه المناظرَة حاسمة، على الرغم من سطحيتها، كما رأى كثيرون، ومن هزالتها، كما قال آخرون، بسبب أداء لوبان. وهي حاسمة لأنها فضحت مرشحة اليمين المتطرف، وكشفت عن الوجه الحقيقي القاسي للوبان، التي أظهرت أن كل ما قيل عن "الوجه" الجديد لحزب "الجبهة الوطنية"، لم يكن صحيحاً. كما برهنت أن الحزب اليميني المتطرف لم يغيّر من قناعاته وبرامجه، على الرغم مما قيل عن دور متعاظم للقيادي في "الجبهة"، فلوريان فيلبيو، الآتي من التيار اليساري السيادي الذي يمثله السياسي الفرنسي، جان بيار شوفنمان، أو عن تأثير انضمام مرشح حركة "انهضي فرنسا"، نيكولا دوبون إينان، وهو ذو اتجاه يميني وقومي، والخاسر في الدورة الأولى، إلى مارين لوبان، حديثاً.
ويُجمع المراقبون على أن ماكرون الذي دافع عن فكرة مشاركته في المناظَرَة بالقول: "يجب أن نناقش مارين لوبان، حتى ولو اتّسخنا بعض الشيء"، فاز في المناظرة، وترك منافسته في "مونولوغ هذياني" أقلق جمهوراً فرنسياً واسعاً لم يكن راغباً في اتخاذ موقف علني. وما حصل في المناظرة دفع القيادي في حزب "الجمهوريون"، رجل الشمال الفرنسي القوي، كزافيي برتران، إلى أن يصف لوبان بالعدو ويُحذر من احتمال فوزها. وصرح برتران في اعتراف نادر، بأن "الجميع في فرنسا يتحمل مسؤولية الفشل، بمن فيهم هو، خلال السنوات الأخيرة، وهو ما استفادت منه مارين لوبان"، قبل أن يحذر من "إمكان فوز لوبان، لأننا لم نحارب أفكارَها كما يجب في حملة الرئاسيات"، وفق قوله.
ولا أحد ينفي في وسائل الإعلام الفرنسي، تفوق ماكرون على مرشحة اليمين المتطرف. ويقول مدير مساعد معهد "إيفوب" لاستطلاع الرأي، فريديريك دابي، إنه "في هذا النقاش الذي تميز بعنف غير مسبوق، ماكرون فاز لأنه لم يخسر". وهو أيضاً موقف المؤرخ كريستيان ديبلبورت، الذي يعترف بأنه لم يَر من قبل نقاشاً غامضاً كهذا، "لكن يبدو لي أن ماكرون سيطر على الأمر، لثلاثة أسباب: أولها أنه لم يسقط في شراك لوبان التي أرادت أن تجعل منه وريث هولاند. ثانياً، خطأ لوبان في مناقشة مشروع ماكرون. وأخيراً، سجل ماكرون بعض النقاط أثناء تفكيكه لمشروع مارين، خاصةً حول اليورو"، بحسب قول المؤرخ. والخلاصة، في نظر ديبلبورت، هي أن "أحدهما انتهى به الأمر إلى أن يسمو، ويصبح قابلاً لأن يكون رئيساً، على الرغم من العقبات، فيما ظل الثاني سجين خطاب اللقاءات الحزبية، محافظاً على نغمة عدوانية"، وفق تعبيره. ويختم قائلاً "أتخيل خيبة الفرنسيين. ولكن مارين لوبان تتحمل مسؤولية جسيمة"، في ما وقع.
ويرى رئيس مكتب "كاب" للاستشارات والتحليل، ستيفان روزيس، أن "ماكرون ومشروعه من أجل فرنسا خرجا معزَّزَيْن في هذه المواجهة"، لأن ماكرون "كشف عن تحكّم نادر في الذات، فلم يرتكب أي خطأ في هذه المواجهة". ولم يختلف عنه المفكر السياسي والبروفيسور في العلوم السياسية، باسكال بيرينو، الذي يعتبر أنه "على الرغم من عدم وجود خاسر بالضربة القاضية، فإن مارين لوبان، التي اختارت استراتيجية التوتر في حده الأقصى، تخلت عن (محاولة اكتساب) المصداقية الرئاسية وظهرت بمظهر غير الواثق في ما يخص الملفات الاقتصادية"، وفق قوله. ويؤكد الخبير في مكتب استشارات في التواصل، غيوم جوبان، أن ماكرون فاز في المناظرة، "لأنه هو من قدَّم رؤية رئاسية"، مضيفا أن "النقاش كان مُرهِقاً، لأن (ماكرون) اضطر مرات عديدة لتجنب شراك لوبان"، بحسب تعبيره.
ولم يتوقف الأمر عند هؤلاء الباحثين والمتخصصين، فقد خرج بعض ممثلي الديانات الإسلامية والبروتستانتية واليهودية، في فرنسا، بسبب قسوة وخطورة الكلمات التي تفوهت بها لوبان، عن صمتهم و"حيادهم" في بيان يدعو، بصراحة، للتصويت لصالح ماكرون، وقَّعَه القسّ البروتستانتي، فرانسوا كلافيرولي، وحاخام فرنسا الأكبر، حاييم كورسيا، ورئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أنور كبيبش. وجاء في البيان: "مدركون بأن وظائفنا ترغمنا على الحيادية السياسية، ولكننا، وقبل كل شيء، وباعتبارنا مواطنين مسؤولين ندعو، بوضوح، إلى التصويت لصالح إيمانويل ماكرون، يوم الأحد 7 مايو/ أيار".
يشار إلى أن المناظرة كشفت عن عزلة خطاب لوبان على الصعيد الأوروبي، وخاصة الألماني، فليس فقط المستشارة الألمانية من يحذر من خطورة أفكار لوبان، بل حتى مرشح اليسار الألماني، مارتن شولتز، انتقد "بذاءة" لوبان و"كلماتها المعادية لألمانيا"، وفق تعبيره.
وإذا كان الكثير من الفرنسيين، الذين لم يقرروا بعد لمن سيمنحون أصواتهم في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية يوم الأحد المقبل، يتوقعون نقاشاً حاداً، عبر مقارعة برنامج بآخر، والحجة بالحجة، إلا أنهم اكتشفوا لوبان وكأنها في لقاء جماهيري أمام أنصارها. وغابت المواضيع المهمة، خاصة في ما يتعلق بالاقتصاد وباليورو، وهي مسائل كشفت فيها لوبان عن جهل كبير بشأنها، وسط اكتفائها بتوجيه اتهامات وشتائم بالجملة لمنافسها.
والهدف الرئيسي للوبان كان، مساء الأربعاء، الحصول على تصويت بعض الجمهور الفرنسي الذي قررت كل قياداته التصويت، من دون مواربة، ضد لوبان. كما أنها من خلال تشديدها، إلى حد مبالغ فيه، على السيادة واستقلالية القرار الفرنسي والدفاع عن الشركات الفرنسية في مواجهة المنافسة الأجنبية، أو ما تسميه لوبان بـ"الحمائية الذكية"، حاولت مغازلة بعض أنصار المرشح اليساري الراديكالي، جان لوك ميلانشون، وحركته "فرنسا غير الخاضعة"، الذين يرفضون البرنامج الليبرالي لماكرون وعلاقاته الملتبسة مع عالَم المال وأرباب العمل، والذين يرون فيه المدافع عن "النخب" ضد الشعب. ولكن موقف الناطق باسم حملة ميلانشون، ألكسيس كوربيير، كان واضحاً لجهة إدانته لكل ما عبّرت عنه لوبان "بسبب أكاذيبها، ولُغَتها التي تستخدمها لإرباك عمّال هذا البلد، والتي لا تحمل في التفاصيل أي حق جديد لهؤلاء"، وفق قوله. لكن كوربيير اعتبر مناظرة مساء الأربعاء بين المرشحين، رديئة وأنها "ليست في مستوى الرهانات"، منتقداً عدم التطرق فيها لقضايا كثيرة كان الفرنسيون ينتظرونها، كالمسائل البيئية وتسريح العمال وغيرها، وفق قوله.
مناظرة حاسمة؟
وأتى آخر استطلاع للرأي ظهر بعد المناظرة، ليمنح ماكرون مكانة مريحة بنسبة 63 في المائة، مقابل 34 في المائة للوبان، ويظهر أن 69 في المائة من الفرنسيين لم تقنعهم لوبان، مقابل 55 في المائة لم يستطع ماكرون، هو الآخر، إقناعهم. لكن وبغض النظر عن نتائج هذا الاستطلاع للرأي، فقد كانت هذه المناظرَة حاسمة، على الرغم من سطحيتها، كما رأى كثيرون، ومن هزالتها، كما قال آخرون، بسبب أداء لوبان. وهي حاسمة لأنها فضحت مرشحة اليمين المتطرف، وكشفت عن الوجه الحقيقي القاسي للوبان، التي أظهرت أن كل ما قيل عن "الوجه" الجديد لحزب "الجبهة الوطنية"، لم يكن صحيحاً. كما برهنت أن الحزب اليميني المتطرف لم يغيّر من قناعاته وبرامجه، على الرغم مما قيل عن دور متعاظم للقيادي في "الجبهة"، فلوريان فيلبيو، الآتي من التيار اليساري السيادي الذي يمثله السياسي الفرنسي، جان بيار شوفنمان، أو عن تأثير انضمام مرشح حركة "انهضي فرنسا"، نيكولا دوبون إينان، وهو ذو اتجاه يميني وقومي، والخاسر في الدورة الأولى، إلى مارين لوبان، حديثاً.
ويُجمع المراقبون على أن ماكرون الذي دافع عن فكرة مشاركته في المناظَرَة بالقول: "يجب أن نناقش مارين لوبان، حتى ولو اتّسخنا بعض الشيء"، فاز في المناظرة، وترك منافسته في "مونولوغ هذياني" أقلق جمهوراً فرنسياً واسعاً لم يكن راغباً في اتخاذ موقف علني. وما حصل في المناظرة دفع القيادي في حزب "الجمهوريون"، رجل الشمال الفرنسي القوي، كزافيي برتران، إلى أن يصف لوبان بالعدو ويُحذر من احتمال فوزها. وصرح برتران في اعتراف نادر، بأن "الجميع في فرنسا يتحمل مسؤولية الفشل، بمن فيهم هو، خلال السنوات الأخيرة، وهو ما استفادت منه مارين لوبان"، قبل أن يحذر من "إمكان فوز لوبان، لأننا لم نحارب أفكارَها كما يجب في حملة الرئاسيات"، وفق قوله.
ويرى رئيس مكتب "كاب" للاستشارات والتحليل، ستيفان روزيس، أن "ماكرون ومشروعه من أجل فرنسا خرجا معزَّزَيْن في هذه المواجهة"، لأن ماكرون "كشف عن تحكّم نادر في الذات، فلم يرتكب أي خطأ في هذه المواجهة". ولم يختلف عنه المفكر السياسي والبروفيسور في العلوم السياسية، باسكال بيرينو، الذي يعتبر أنه "على الرغم من عدم وجود خاسر بالضربة القاضية، فإن مارين لوبان، التي اختارت استراتيجية التوتر في حده الأقصى، تخلت عن (محاولة اكتساب) المصداقية الرئاسية وظهرت بمظهر غير الواثق في ما يخص الملفات الاقتصادية"، وفق قوله. ويؤكد الخبير في مكتب استشارات في التواصل، غيوم جوبان، أن ماكرون فاز في المناظرة، "لأنه هو من قدَّم رؤية رئاسية"، مضيفا أن "النقاش كان مُرهِقاً، لأن (ماكرون) اضطر مرات عديدة لتجنب شراك لوبان"، بحسب تعبيره.
ولم يتوقف الأمر عند هؤلاء الباحثين والمتخصصين، فقد خرج بعض ممثلي الديانات الإسلامية والبروتستانتية واليهودية، في فرنسا، بسبب قسوة وخطورة الكلمات التي تفوهت بها لوبان، عن صمتهم و"حيادهم" في بيان يدعو، بصراحة، للتصويت لصالح ماكرون، وقَّعَه القسّ البروتستانتي، فرانسوا كلافيرولي، وحاخام فرنسا الأكبر، حاييم كورسيا، ورئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أنور كبيبش. وجاء في البيان: "مدركون بأن وظائفنا ترغمنا على الحيادية السياسية، ولكننا، وقبل كل شيء، وباعتبارنا مواطنين مسؤولين ندعو، بوضوح، إلى التصويت لصالح إيمانويل ماكرون، يوم الأحد 7 مايو/ أيار".
يشار إلى أن المناظرة كشفت عن عزلة خطاب لوبان على الصعيد الأوروبي، وخاصة الألماني، فليس فقط المستشارة الألمانية من يحذر من خطورة أفكار لوبان، بل حتى مرشح اليسار الألماني، مارتن شولتز، انتقد "بذاءة" لوبان و"كلماتها المعادية لألمانيا"، وفق تعبيره.