يمثّل سد النهضة، الذي يُتوقع أن تبدأ إثيوبيا تشغيله الفعلي رسمياً في العام المقبل، قلقاً لدى الشعب المصري والخبراء في الوقت نفسه، ويرجع ذلك إلى تأثيراته الخطيرة على كافة نواحي الحياة في البلاد، بسبب نقص المياه المتوقع، في ظل اقتصار موارد مصر المائية على نهر النيل. كما أن تشغيل السد بحسب مراقبين مصريين، ستكون له آثار اقتصادية كبيرة، في قطاعات الصناعة والكهرباء والزراعة، بالإضافة إلى البنية التحتية، بسبب عدم إقامة مشاريع جديدة، فضلاً عن هروب المستثمرين من مصر، وسط مخاوف خبراء ومختصين فنيين أن يحوّل سد النهضة مصر إلى بقعة صحراوية خلال سنوات قليلة.
تهديد وجودي
وقال خبير السدود الدولي، أحمد عبد الخالق الشناوي، إن سد النهضة الإثيوبي يهدد بقاء مصر بالكامل، ويعرضها للحذف تماماً من على الخريطة في حال انهياره، إضافة إلى المخاطر الأخرى المتعلقة بتخفيض كفاءة مصر من توليد الكهرباء من السد العالي. وأوضح الشناوي، الذي أشرف على تصميم العديد من السدود في أفريقيا وقارات أخرى، أن "المشكلة الأكبر أن هناك كارثة حتمية ستحدث جراء بناء السد متعلقة بالنقص الفادح في مياه الري لسنوات عدة متتالية وهو ما قد يتسبب في فقدان جزء كبير من الرقعة الزراعية".
وأضاف الشناوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الشركة المسؤولة عن إدارة سد النهضة إسرائيلية الجنسية، وستكون مهمتها الإشراف على الجزء الخاص بتوليد الكهرباء من السد، مؤكداً أن الهدف من وراء ذلك هو بيع المياه لمصر في مرحلة لاحقة، إضافة إلى حصول إسرائيل على مياه النيل. وشدد على أن بناء سد النهضة سيضيع على مصر 2,6 غيغاوات من الكهرباء عن طريق السد العالي في أسوان أقصى الجنوب المصري، ستفقدها مصر بالكامل نتيجة توقف السد، في حال بدء تخزين المياه خلف سد النهضة.
وأوضح الشناوي أن هناك سيناريو مفزعاً ونِسب حدوثه ليست قليلة بأي حال من الأحوال، وهو أن تحصل هزة أرضية تتسبب في اتساع الفالق الأرضي المبني فوقه السد، مما يعني أن السد ينهار بصورة كاملة وربما أيضاً تنفلق قطعة من الأراضي المبني عليها أو ربما كل الأرض لتتحول إلى ما يشبه مدغشقر، أي جزيرة جديدة في البحر الأحمر، مما يعني أحد أمرين، الأول هو غرق شبه مؤكد لكل من إثيوبيا والسودان ومعظم مساحة مصر من خلال موجات فيضانية متتالية وكاسحة، والثاني هو تغيير في تشكيل حدود بحيرة فكتوريا ذاتها وربما تغيير مسار نهر النيل، مشدداً على أن هذا السيناريو غير مستبعد كما يحاول البعض أن يصور.
وأشار الخبير إلى أنه في حال تعرض السد للانهيار سيسبب موجات تسونامي يبلغ ارتفاعها نحو 145 متراً، ستطيح بكل ما يقف في طريقها، لافتاً إلى أن مسار النهر الأزرق الذي يمد مصر بأكثر من 80 في المائة من حصتها من المياه قد يتحول ويذهب إلى المحيط الهندي، كما يمكن أن يتحول أيضاً مسار النهر الأبيض. وكشف أن الشركة المشرفة على بناء السد وتصميمه لها سوابق في بناء سدود تعرضت لانهيارات جزئية أو كلية.
الأمر نفسه أكده مسؤول رسمي مصري سابق في اللجنة الفنية المشكلة من قِبل الحكومة المصرية، مشيراً إلى أن المخاوف التي قام بطرحها تتمثل في ارتفاع السد الذي يبلغ نحو 145 متراً، وسعته التخزينية التي تقدر بـ74 مليار متر مكعب وعدد سنوات ملء خزان السد، التي اقترحتها إثيوبيا ولا تتجاوز الـ5 سنوات، وهو ما سيؤدي إلى حالة جفاف كبيرة، ستضرب قطاعات مصرية عدة أهمها قطاع الطاقة، الذي يعتمد في جزء منه على الكهرباء المولدة من السد العالي، لافتاً إلى أن انخفاض منسوب المياه أمام السد العالي عند بدء التخزين في سد النهضة سيؤدي لتوقف توربينات التوليد بالسد العالي.
وقال المسؤول، إنه خلال فترة عمله في اللجنة وصلته قناعة بأن إثيوبيا ستُمعن في تنفيذ كافة مخططاتها المتعلقة ببناء السد وبكافة تفاصيلها بعدما ضمنت عدم إمكانية التوقف في ضوء التوقيع الثلاثي بين مصر والسودان وإثيوبيا على اتفاق المبادئ الذي منح السد شرعية دولية.
انخفاض الحصة المائية
من جهته، أكد أستاذ هندسة السدود في جامعة يونيتين الماليزية، محمد حافظ، أنه بمجرد بدء تشغيل التوربينات ذات المستوى المنخفض بسد النهضة في شهر إبريل/نيسان المقبل فإن هذا يعني ضمنياً تخزين إثيوبيا 11 مليار متر مكعب من إجمالي تدفق النيل الأزرق للعام المائي، مضيفاً أن تلك الـ11 مليار متر مكعب ماء المخزنة في بحيرة سد النهضة تعني انتقاص حصة مصر بـ11 مليار متر مكعب.
وأشار حافظ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه عند إضافة 4 مليارات متر مكعب ماء تم حجزها أخيراً في سد أعالي عطبرة وسد ستيت السودانيين واللذين تم افتتاحهما الشهر الماضي لتوليد طاقة كهربائية وتوفير ماء للري قرابة 1 مليون فدان أراضي استصلاح واستثمار سعودي على ضفاف نهر عطبرة، فإن مجموع ما تم استقطاعه حتى هذه اللحظة يعادل 15 مليار متر مكعب من حصة مصر. ولفت إلى أن استقطاع 15 مليار متر مكعب من حصة مصر اليوم وقبل افتتاح سد النهضة بكامل إمكاناته يضاف إليه 12 مليار متر مكعب حجم المياه المتبخرة سنوياً من مسطح بحيرة ناصر غير قابلة للتعويض بعد بدء ملء بحيرة سد النهضة بما يعني خسارة مبدئية للدولة المصرية تعادل 27 مليار متر مكعب خلال العام المائي أغسطس/آب 2016-أغسطس 2017.
وأوضح حافظ أن حجم استهلاك الدولة المصرية من الكهرباء عام 2010 كان قد وصل لقرابة 31 ألف ميغاواط خلال ذروة الاستهلاك بشهر أغسطس/آب ثم هبط خلال فصل الشتاء لقرابة 28 ألف ميغاواط، مضيفاً أن قرابة 92 في المائة من الطاقة المنتجة في مصر تعتمد كلياً على محطات كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي أو السولار بينما يسهم السد العالي بقرابة 8 في المائة من الإنتاج الكلي للدولة.
وتابع أنه بعد ثورة 25 يناير وما تبع ذلك من مشكلات اقتصادية وهروب الاستثمار وتوقف آلاف المصانع عن الإنتاج انخفض الاستهلاك الكلي للطاقة في مصر ليصل لأقل من 26 ألف ميغاوات في أيام الذروة، حتى إن وزير الكهرباء أعلن في 21 يونيو/حزيران 2015 أن إنتاج الدولة المصرية للطاقة قد بلغ في وقت الذروة 28600 ميغاواط، فيما بلغ حجم الاستهلاك في ذات التوقيت 25700 ميغاواط، وهو الأمر الذي حقق فائضاً في إنتاج الكهرباء يقدر بنحو 2900 ميغاواط.
وأكد أن وجود فائض في إنتاج الكهرباء يُقدر بـ2900 ميغاواط ليس خبراً جيداً اقتصادياً فهو لا يعكس تحقيق نمو في الاقتصاد بل انكماش حاد، فعندما يكون استهلاك الدولة المصرية عام 2010 يصل لقرابة 31 ألف ميغاواط فكان من المنتظر أن يصل لأكثر من 40 ألف ميغاواط عام 2015 وليس 25700 ميغاواط، مؤكداً أن فائض الـ2900 ميغاواط هو نمو كاذب للطاقة في مصر إذا أخذنا في الاعتبار آلاف المصانع التي أغلقت أبوابها خلال السنوات الست الماضية بسبب عدم الاستقرار السياسي وكذلك تعويم الجنيه المصري.
واستطرد حافظ أن 8 في المائة فقط من إجمالي استهلاك الدولة المصرية يأتي شبه مجانيّ عن طريق الطاقة الهيدروليكية المنتجة بواسطة السد العالي والذي ينتج في أيام الفيضان قرابة 2100 ميغاواط، بينما في أيام التدفقات النيلية المنخفضة قد ينخفض إنتاجه لقرابة 50 في المائة، وهو ما يمكن ترجمته بحسب حافظ في أن حصة ضخمة من ميزانية الدولة المصرية ستذهب لاستيراد المواد المستخدمة لإنتاج الطاقة في الدولة المصرية، ويعني أيضاً أنه في حالة توقف توربينات السد العالي وإسقاط مساهمته في إنتاج الطاقة فإن على الدولة المصرية أن تزيد من تلك المخصصات بالميزانية المصرية لتعويض ما كان ينتجه السد العالي من كهرباء مجانية للدولة المصرية.
وأضاف أنه لمعرفة تأثير استبدال 2100 ميغاواط كهرباء ناتجة من الطاقة الكهرومائية إلى 2100 ميغاواط من الطاقة المنتجة بالغاز الطبيعي أو بالطاقة النووية، يجب المقارنة بتكاليف إنشاء محطة توليد طاقة النووية الروسية بالضبعة إذ وصل حجم القرض الروسي المقدم لمصر إلى 25 مليار دولار لإنتاج 4800 ميغاواط.
تداعيات مقلقة
في السياق، أكدت مصادر مسؤولة في وزارة الري المصرية لـ"العربي الجديد" أن البلاد تأثرت لأول مرة هذا العام بـ"السدة الشتوية"، إذ ظهر عدد من الجزر في مياه النيل، نتيجة قلة المياه الموجودة خلف السد، مؤكدة أن تلك السدة حدثت في الأعوام السابقة، ولكن لم يشتكِ المزارعون إلا خلال هذا الشتاء، بسبب قلة المياه في الترع والمصارف، وهو ما أثر على الزراعة، وتوقف عدد من التوربينات بشكل واسع، ودخول عدد من التماسيح وعبورها إلى نهر النيل.
وأشارت المصادر إلى أن انقطاع التيار الكهربائي في صعيد مصر خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، الذي اعترفت به السلطات وأرجعت أسبابه إلى موجة الطقس السيئ، على الرغم من أن الطقس السيئ ضرب محافظات الدلتا في الشمال وليس جنوب الصعيد، كان بسبب انخفاض منسوب مياه النيل في بحيرة ناصر بالتزامن مع ملء السد، مما أدى إلى توقف التوربينات وعدد من المصانع في الصعيد عن العمل. كما أكدت المصادر أن اتجاه الحكومة لإلغاء دعم الكهرباء الذي يكلفها أكثر من 170 مليار جنيه هو بسبب "سد النهضة" وما سيخلفه من مشاكل للحكومة المصرية. وقالت إن التفكير في مصادر بديلة للكهرباء المتحصل عليها من السد العالي، يستغرق وقتاً في حالة اللجوء إلى المصادر الجديدة والمتجددة مثل الرياح أو الطاقة الشمسية أو تدوير المخلفات، كما أن اللجوء إلى الطاقة النووية محفوف بكثير من المخاطر.
من جهته، توقع أستاذ الأراضي والمياه في كلية الزراعة بجامعة القاهرة نادر نور الدين، تحوّل 8,5 ملايين فدان من الأراضي الزراعية إلى أرضٍ بور، فضلاً عن المشاريع الزراعية الحديثة، وهو القطاع الذي يستوعب أكثر من 7 ملايين عامل، بسبب ما سينتج من عجز في كميات المياه المتاحة، مؤكداً أن فقدان تلك المساحات المزروعة، سيؤدي إلى وقف أكثر من 1200 مصنع تعمل في الصناعات الغذائية بقطاعاتها المختلفة، ومصانع النسيج، وتوقف الثروة الحيوانية عن الإنتاج، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة التي تعاني منها مصر حالياً، مشيراً إلى أن مصر تستورد أكثر من 70 في المائة من منتجاتها الغذائية من الخارج، وأنه في حال نقص المياه سوف تتوقف المشروعات الزراعية، فضلًا عن كافة مشروعات التنمية خاصة قطاع الإنشاءات، وهو ما سوف يؤدي إلى هروب المستثمرين إلى خارج البلاد. واعتبر أن المساحات المزروعة حالياً لا تتناسب مع تزايد عدد سكانها الذي يناهز 92 مليون نسمة، وهو قابل للزيادة خلال السنوات المقبلة في ظل معدل زيادة سكانية تقدر بنحو 1,9 في المائة سنوياً، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على حجم الاحتياج من المنتجات الزراعية والغذائية التي تنتجها مصر.
وأشار إلى أن مصر لا تستطيع الاتجاه إلى تحلية المياه كما يفعل عدد من الدول العربية والعالمية بسبب مشاكلها الاقتصادية الكبيرة، ولا يمكنها الاعتماد الكلي على المياه الجوفية، وتواجه أيضاً مشاكل كبيرة في معالجة مياه الصرف لاستخدامها في ري الأراضي الزراعية، محذراً من خطورة الأمر، موضحاً أن وزير الري محمد عبد العاطي يرفض الإجابة عن حجم منسوب المياه الحقيقي لبحيرة ناصر، مشيراً إلى أن كل 4 مليارات متر مكعب ستفقدها مصر من حصتها السنوية يعني انتقاص مليون فدان من الأراضي المزروعة، كما أن انخفاض المنسوب في نهر النيل سيؤثر سلباً على السياحة النيلية وعلى النقل النهري بأنواعه سواء للركاب أو البضائع.
من جهته، قال أستاذ المياه ورئيس جامعة المنوفية الأسبق، مغاوري شحاتة، إن سد النهضة يهدف منذ الإعلان عنه إلى التحكم الاستراتيجي الكامل في المياه، كما سيتبعه بناء سدود أخرى من قِبل أديس أبابا، وكلها سوف تسبب في انخفاض نسبة المياه خلف السد العالي من 55 مليار متر مكعب إلى أقل من 34 ملياراً، موضحاً أن مصر تحتاج إلى 10 مليارات متر مكعب للاستخدام المنزلي، فيما تستهلك الزراعة نحو 40 مليار متر مكعب سنوياً، ما يهدد بحدوث جفاف، وتوقّف مشاريع التنمية بالكامل بسبب نقص حصة المياه، خصوصاً أن حصة مصر ثابتة من المياه في ظل الاتفاقيات التي أبرمتها مع دول حوض النيل.
وأشار إلى أن انهيار سد النهضة أو ضربه كما يحلو للبعض أن يقول، إذا أصبح أمراً واقعاً، سوف يدمّر السد العالي، ويُغرق العديد من المدن والقرى بسبب قوة المياه المتدفقة، متوقعاً أن تستمر فترة ملء خزان سد النهضة 6 سنوات، يصاحبها عجز في إنتاج الطاقة المائية في مصر، وانهيار في الاقتصاد المصري وما يتبعها من ارتفاع في الأسعار، نافياً وجود خزان جوفي كبير في مصر كما يردد البعض يمكن من خلاله استصلاح مزيد من الأراضي.
وكان وزير الموارد المائية والري الأسبق نصر الدين علام، قد أكد في دراسة سابقة له أن أهم مكسب حققته إثيوبيا في ملف سد النهضة هو فرض السعة التخزينية على دولتي المصب (مصر والسودان) من دون إخطارها. وأضاف أن نتائج الدراسات التي اتفقت على إجرائها الدول الثلاث "غير مُلزمة" لأي من الأطراف، حسب ما جاء في إعلان المبادئ في مارس/آذار 2015، وستكون النتائج بالطبع محل خلاف في التفسير والتأويل لكونها دراسات استشارية وليست تحكيمية.