قال ثلاثة مسؤولين كبار في الشرق الأوسط إن لبنانيا متهما بتمويل جماعة "حزب الله" أُطلق سراحه من السجن في الولايات المتحدة الشهر الماضي نتيجة لاتصالات غير مباشرة بين طهران وواشنطن يتوقع أن تسفر عن مزيد من عمليات الإفراج.
وجرى الإفراج عن قاسم تاج الدين في 11 يونيو حزيران، وفقا لمكتب السجون الاتحادي الأميركي، ووصل إلى لبنان الأسبوع الماضي.
ولفت اثنان من المصادر إن الإفراج عنه كان جزءا من المسار نفسه الذي أسفر العام الماضي عن الإفراج عن نزار زكا، رجل الأعمال اللبناني المقيم إقامة دائمة في الولايات المتحدة، من إيران، وسام جودوين، وهو مواطن أميركي، من سورية.
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن تاج الدين أطلق سراحه بسبب مخاوف صحية وإن التقارير التي تفيد بأن الإفراج كان جزءا من صفقة خلف الكواليس غير صحيحة.
كما نفى شبلي ملاط محامي تاج الدين أن يكون للإفراج أي علاقة بإطلاق سراح سجناء آخرين. وقال "كانت عملية قضائية بحتة".
وقال ملاط إن تاج الدين كان ينفي دوما دعم حزب الله ودحض اعتباره ممولا للإرهاب.
وأضاف أن قاضيا أمر بالإفراج عن تاج الدين في 27 مايو أيار بانتظار الحجر الصحي لمدة 14 يوما بناء على اقتراح قدمه محاموه وجادلوا فيه بضرورة الإفراج عنه بسبب مخاطر الإصابة بمرض كوفيد-19 في السجن.
وتندرج أسباب الإفراج عن تاج الدين تحت بند السرية في الولايات المتحدة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن الحكومة الأميركية عارضت الإفراج لكنها ستلتزم بقرار المحكمة.
وذكرت المصادر، ومنها مسؤول كبير في الشرق الأوسط ومسؤول لبناني كبير ودبلوماسي إقليمي، إن الإفراج جاء نتيجة "تفاهمات غير مباشرة" بين طهران وواشنطن.
وقال المسؤول في الشرق الأوسط "إطلاق سراح تاج الدين يأتي ضمن مسار طويل من عمليات التبادل التي ستحدث لاحقا على مستوى واسع. لا يزال هناك من سيفرج عنهم الجانبان. ستستمر هذه العملية".
ووصف الدبلوماسي الإقليمي أيضا الإفراج عن تاج الدين بأنه مقدمة لمزيد من الصفقات المحتملة التي تشمل نحو 20 شخصا.
وقال "جميع الأطراف المعنية تختبر بعضها البعض إذ لا توجد ثقة".
وذكر اثنان من المصادر أن اللواء عباس إبراهيم رئيس جهاز الأمن العام اللبناني يقوم بدور الوسيط الرئيسي في العملية. ورفض الأمن العام التعليق.
وأشار المسؤول اللبناني الكبير إلى إن العملية مستمرة في سرية تامة وبدأت بتسليم جودوين والأجانب الآخرين الذين تحتجزهم سورية، التي تتحالف حكومتها مع إيران وحزب الله.
وعاد رجل الأعمال اللبناني، قاسم تاج الدين، قبل أسبوع، إلى بيروت بعد ثلاثِ سنواتٍ من الاعتقال لدى السلطات الأميركية بتهمة الالتفاف على العقوبات التي فرضتها عليه وزارة الخزانة الأميركية عبر استمراره في القيام بتعاملاتٍ مع شركات أميركية رغم وضعه على لائحة "الإرهابيين الدوليين"، بوصفه أبرز مموّلي "حزب الله" اللبناني وقد ثبُتَ تزويده الحزب الذي تصنّفه الولايات المتحدة "منظمة إرهابية" بملايين الدولارات.
ورحّلت وكالة أمن الهجرة والجمارك الأميركية تاج الدين، وهو في العقد السادس من العمر، بعدما اعتقل، في مارس/ آذار 2017، لدى وصوله إلى مطار الدار البيضاء في المغرب، حيث كان يعتزم المغادرة إلى لبنان، وتم تسليمه حينها إلى الولايات المتحدة، تنفيذاً لقرار إلقاء القبض الصادر بحقه من جانب السلطات القضائية الأميركية.
ويأتي قرار الترحيل من قبل الوكالة نتيجة رفض القاضي المكلَّف بالقضية طلب وزارة العدل الأميركية الإبقاء عليه في السجن إلى حين انتهاء فترة العقوبة، أي عام 2023.
وأثار قرار إطلاق سراح تاج الدين قبل انقضاء فترة محكوميته جملة تساؤلات لم تسقطها الأسباب الصحية المرتبطة بفيروس كورونا، ودقة وضعه نسبةً إلى عمره، والتي يتذرّع بها فريق تاج الدين القانوني، إذ رُبِطَت كلّها بالمباحثات السرية التي تجريها الولايات المتحدة مع إيران، وهذا ما لفت إليه العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر، في حديث لـ"العربي الجديد" في وقت سابق.
أثار قرار إطلاق سراح تاج الدين قبل انقضاء فترة محكوميته جملة تساؤلات لم تسقطها الأسباب الصحية المرتبطة بفيروس كورونا، ودقة وضعه نسبةً إلى عمره
وذكر العميد عبد القادر بما حصل أولاً في ملف العميل عامر الفاخوري (كان قائداً عسكرياً لسجن الخيام في جنوب لبنان الذي تديره مليشيات "جيش لبنان الجنوبي" المتعاونة مع الاحتلال الإسرائيلي) الذي تدخل به شخصياً الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتابع مع عائلته عودته إلى الأراضي الأميركية من لبنان.
كذلك لفت عبد القادر ثانياً إلى "صفقات تبادل الأسرى بين الأميركيين والإيرانيين التي تأتي كتكملة لمسار الصفقات وشملت أخيراً العالمَيْن الإيرانيَيْن سايروس عسكري، ومجيد طاهري، والجندي الأميركي السابق مايكل وايت".
ويمكن، بحسب عبد القادر، ربط هذه التطورات كلها والمفاوضات بما سبقها أيضاً من إطلاق سراح اللبناني نزار زكا من السجون الإيرانية في يونيو/ حزيران 2019 (وهو اليوم مدير البرامج لدى "المؤسسة الأميركية لتكنولوجيا السلام" والعضو في فريق "قيصر" ويركز عمله على معرفة مصير 630 مخطوفاً لبنانياً في السجون السورية).
(العربي الجديد، رويترز)