لماذا يموت الأطفال؟

06 ديسمبر 2014
كان جوابها مقتضباً (غريغ بيكر/فرانس برس)
+ الخط -

نادراً ما كان يرى والدته جالسة بمحاذاة البئر التي تتوسّط فسحة بيتهم في فترة ما بعد الظهر. ذلك اليوم، أنهت أعمالها المنزلية باكراً. أم أنها أرادت ذلك رغبة في احتساء الشاي؟ يذكر أن الطقس كان جميلاً. نسمات باردة لطيفة تداعب خصلات شعرها الكستنائية التي أفلتت من المنديل. الطيور تؤدي رقصتها الأخيرة في السماء. هذا المشهد لم يعن له شيئاً. شغله أمر آخر. يوم القيامة. شعر بوطأته. ثقيلة كانت خطواته. يعرف عنه القليل. لكن أحد أولاد الحي الذي أخبره عنه بدا خائفاً جداً، ولم يدر ما يمكن فعله.

سأل والدته. كان جوابها مقتضباً. أخبرته أنه في هذا اليوم، سيقف البشر في مكان واحد، ليحاسبهم الله على الأخطاء التي ارتكبوها. الأخيار يذهبون إلى الجنة، والأشرار إلى النار. انتهى الحديث هنا. لكنه بدأ يجمع البشر في فسحة منزلهم. حمودي وأحمد وعلاء وأبوماجد.. هذا عالمه فقط. لا يعرف شارل وكريستيان. القارات الأخرى موجودة في كتاب الجغرافيا فقط. هل يكونون بثياب النوم؟ أو سيسمح لهم بجلب الكراسي معهم؟ ماذا لو استغرق الأمر وقتاً طويلاً؟ لم يشغله ذلك كثيراً. فالمطبخ قريب.

هل سينادي عليه الله، ويقول أمام الجميع إنه كان يتلصّص على ابنة الجيران الجميلة؟ أم أنه وشى بأحد أصدقائه، أو كذب على والده؟ ماذا يكون موقفه أمام كل هؤلاء؟ هل سيأخذه إلى النار؟ في تلك اللحظة، أراد الهرب من يوم القيامة. لكن إلى أين؟ ينظر حوله ولا يجد سبيلاً. لم ينم تلك الليلة، وليالي كثيرة أخرى. إلى أن قرر الاختباء داخل البئر. في تلك اللحظة فقط، شعر بالأمان. هنا لن يراه أحد. صار مستعداً له لأنه لن ينال منه. سيبقى في البئر إلى أن ينتهي.

كان في التاسعة من عمره. كبر. عرف يوم القيامة وكوّن قناعته الخاصة. لم يعد يخشاه. لكن أموراً كثيرة أخرى تُخيفه. ألف الموت ولم يألف المرض الذي قد يقود إليه. أحب السفر وخاف الطائرة. الحب أيضاً. التفاصيل.

طفلٌ آخر سأل والدته عن سبب موت الأطفال. ظن أن كبار السن يموتون فقط. لماذا يموت الأطفال أصلاً؟ أخبرته أن لكل منا عمرا محدّدا. لم يفهم. بكى كثيراً. ماذا لو كان عليه أن يموت بعد غد. ماذا سيحل به؟ لن يرى والدته أو يشاهد سوبرمان؟ هل لهذا الخارق أن ينقذه؟ منذ عرف الموت لم يعد ينام. ينتظره طيلة الوقت.

هذان صنيعة جوابات الأهل. هم أيضاً صنيعة جوابات أهلهم. وهذه قادرة على أن تقضي علينا. نمضي العمر محاولين محو آثارها من وعينا ولاوعينا. الأجوبة تصنعنا إذاً. المشكلة أننا لا نعرفها غالباً.
المساهمون