لماذا يفشل طلبة المغرب في البكالوريا؟

28 يونيو 2015
وقفة احتجاجية أمام ثانوية الأدارسة بمدينة فاس (تصوير:حميد الأبيض)
+ الخط -
تتباين قصص فشل تلميذات وتلاميذ مغاربة في اجتياز عقبة امتحانات الثانوية العامة أو البكالوريا، باختلاف انتماءاتهم الطبقية وظروف تعليمهم الذاتية والموضوعية، وواقعهم الاجتماعي والاقتصادي والنفسي، وطبيعة المنظومة التعليمية ودرجة مسايرتهم لها.

بعضهم "فرمل" الفقر سعيه إلى العلم، وآخرون خنقتهم مقررات ومواد مستعصية على عقولهم. وفئة ثالثة ضلت طريق النجاح، لتيهها بين مشاكل العيش والرغبة في التعليم الفاقدة تكاليفه. وعينة أخرى نازلت ظروفا طبيعية، بقفازات (إمكانات) هشة، لم تيسّر تفوقها في ظل اختلال موازين القوى.

ضحايا التضاريس
بألم وحسرة، يتذكر إدريس، الفلاح الستيني الأب لسبعة أطفال، قصة فشله المثيرة في امتحان البكالوريا في ثمانينيات القرن الماضي، لظروفه الاجتماعية بعدما قضى أعواما طوالا في التنقل بين مقر سكناه بقرية نائية بتاونات، والمدرسة، وذلك لمدة أربع ساعات يوميا، بالشكل الذي أنهكه قبل هجرانه قريته للدراسة بعيدا عن أسرته.

حينئذ كان التلاميذ يمتحنون في كل المواد والمقررات التي درسوها طيلة العام، في دورتين في نهايته، عادية واستدراكية غير متاحة إلا لمن توفرت فيه شروط معينة، غابت في حالته، ليجد نفسه خارج المدرسة من دون تحقيق أمل عائلته في الحصول على الشهادة وولوج عالم الشغل الكفيل بمحو معالم فقرها.

أمثال إدريس قطعوا عشرات الكيلومترات لاجتياز الامتحان حيث "يُعز المرء أو يهان"، في مراكز بعيدة عن مواقع دراستهم، ما كان سببا في انقطاعهم خاصة الفتيات اللائي كن ضحايا عادات وتقاليد عتيقة فوتت عليهن فرصة نيل الشهادة، وحتى ولوج الثانوية العامة، خوفا عليهن من "الذئاب البشرية".

أحيانا يساهم تركيز الآباء والأمهات على دراسة أبنائهم وبناتهم والتحدث عنها طوال الوقت وإهمال الجوانب العاطفية والترفيهية المحتاجين إليها، بنسب متفاوتة في فشلهم دراسيا، كما حالة "إدريسية" (اسم مستعار) الفتاة المنقطعة عن الدراسة في السنة الأولى باكلوريا، قبل أن تنغمس في تيه تجارة الجسد.
وتتذكر بألم كيف تحول الليل بالنسبة إليها، جحيما أمام ضغط والديها عليها للمراجعة وحفظ دروسها، دون مراعاة حالة الإنهاك أو الأرق، ليتحولا إلى "عسكر" يعكران عليها أي غفوة نوم أو استراحة، ما لم تطقه قبل أن تقرر الهروب من بلدتها إلى مدينة فاس، حيث استقرت بحثا عن "لقمة" عيش ولو بالحرام.
كثر أمثال "إدريسية" ممن "ضيعت" الأسر مستقبلهم بخوفهم من فشلهم دون أن يدروا مساهمتهم فيه، عكس عينات أخرى من تلاميذ لم يجدوا من يراقبهم لسكناهم بعيدا عن أسرهم بأقسام داخلية أو غرف مكرية، انخرطوا في سلوكيات منحرفة على حساب دراستهم التي لم يعيروها اهتماما.

المشاغب العبقري
لم تخلو فترة تعليم زكريا العلوي ابن قرية غفساي المغربية، مكتشف ثغرات برمجية في أنظمة الاستخبارات الأميركية، من تشويق ومغامرة.. فقد كان من أكبر المشاغبين في مدرسته، كثير الغياب وشديد الدهاء. لكنه كان كثير المطالعة، عاشقا للكتاب والكتب منذ الصغر، قبل أن تتفتق عبقريته في سد الثغرات البرمجية.
يقول "كنت أكره التقيد بالوقت أو التوقيت المدرسي واعتبرها عقوبة للتلميذ. تخيل معي لو كان المعلم مملا، وتجلس في فصله نصف يوم أو ساعتين على أقل تقدير، وأن يتكرر ذلك يوميا طوال العام"، مضيفا "التلميذ المغربي أشبه بالسجين الذي نفرض عليه المدرسة دون أن نحببه في العلم والتعلم".

ويؤكد زكريا المنقطع عن الدراسة في السنة الثانية بكالوريا قبل أن يحصل لاحقا على الشهادة مع الأحرار، أن مشكلته التي لم يفهمها أحد، "عقدتي من الخط"، إذ "حينما أكتب تختلط الحروف في رأسي" و"لم أعرف السبب لغاية الآن، إلى ماذا يرجع ذلك، لقد حاولت معالجة الأمر، لكن دون جدوى".

هاكرز أخلاقي

اجتاز زكريا البكالوريا في مناسبتين قبل طرده، ليتحول إلى "هاكرز أخلاقي" كما يقدم نفسه، من وجهة نظره فقد رفع "قبعة تاونات والمغرب إلى عنان السماء"، بعدما نقش اسم "غفساي" التي ينحدر منها على الصفحة الرسمية لشركة "ميكروسوفت" بعد اقتحامه خوادم نواظم أشهر المواقع الإلكترونية، محققا إنجازا غير مسبوق.
ميكروسوفت اعترفت لهذا الشاب، في رسالة وصلته من إدارتها، ببحثه لجعل خدماتها عبر الإنترنت أكثر أمانا عبر إيجاد الثغرات الأمنية والإبلاغ. وفي ذلك اعتراف ضمني بملكاته المتقدمة في اختراق أنظمة الحواسيب وأشهر مواقع "النت" العالمية الرسمية والخاصة، ما لم ينتبه إليه أساتذته في دراسته.
ويطالب زكريا المدرج اسمه ضمن أخطر ثلاثين "هاكرز" خوادم في العالم، بإنشاء شركة متخصصة في سد مثل تلك الثغرات، وتجنيد باقي "الهاكرز" للاشتغال معه واستغلال طاقاتهم وقدراتهم وكفاءاتهم وميولاتهم، واستثمار مثل هذه "الطاقات الخطيرة" و"تجييشها" للطوارئ.

شرخ النسق التربوي
لفشل التلاميذ في اجتياز الثانوية العامة، أبعاد سياسية واقتصادية وسوسيولوجية، إلا أن "البعد التربوي أساسي ويتحدد في منظومة التعليم المتألفة من الأسرة والأطر الإدارية والتربوية، التي تعاني من شرخ مصدره انعدام الثقة بين كل عناصر النسق التربوي" يقول شفيق نويور أستاذ الثانوي بأولاد تايمة.
هذا الأمر يجعل التلميذ يخرج عن المسار الصحيح في العملية التربوية ولا ينضبط لتعليمات الأستاذ الذي انحطت قيمته في المجتمع، و"يؤثر على الجودة ويأتي نتاج الخطاب السياسي المنتهج من قبل الدولة، ومنه الرفع من عدد التلاميذ بالقسم الواحد، ومن نسبة النجاح للقضاء على الهدر المدرسي".
يقول نويور إن ظروف عمل الأستاذ العنصر الفاعل والأساسي في المنظومة التربوية، تؤثر على مردوديته وتساهم في فشل التلاميذ في دراستهم واجتياز البكالوريا، إذ يصبح التلميذ "غير مؤهل للمضي قدما وأخذ مسار معين في دراسته، لاعتبارات بينها حصوله على نقطة ضعيفة في الامتحان الجهوي، وهو الامتحان الخاص بتلاميذ المستوى الأول من الثانوية العامة.

عوامل نفسية
من جهتها تقول الإخصائية النفسانية سعيدة بنكيران إن الجانب النفسي يلعب دورا أساسيا في فشل تلاميذ الثانوية العامة الذين "لا تراعى خصوصية الفترة العمرية التي يمرون بها، خاصة أن المراهقة قد تتخللها بعض الصعوبات النفسية، إن لم تتم مرافقة المراهق خلالها من قبل الوالدين والمدرسة".

 
هذا العامل الأساسي، برأي سعيدة، يؤثر على النتائج المدرسية، كما عدم الاهتمام بالبعد العلائقي التربوي الذي لابد أن يربط الأستاذ بالتلميذ، مؤكدة أن عدم الاهتمام بهذا الجانب يؤثر على تركيز التلميذ وحماسه وعلى التحفيز المحتاج إليه، لأجل عطاء أكبر بالمدرسة.

وتؤكد أن "المشاكل الأسرية والزوجية والعنف والإهمال والتفكك الأسري، وتلقي تربية ينقصها بناء شخصية تتمتع بالاستقلالية وحس المسؤولية"، عوامل تساهم في الفشل الدراسي، إلى جانب معاناة تلاميذ من اضطرابات نفسية كالاكتئاب والوسواس والرهاب الاجتماعي، لاسيما إن لم يتم تشخيصها وعلاجها.

كل هذه العوامل تتسبب في زيادة فرص فشل كثير من الطلبة في استكمال سنوات دراستهم واجتيازهم اختبارات البكالوريا في المغرب العربي. وللتغلب على هذه المشكلة لابد من بذل الجهد من قبل الأهل ومن قبل المؤسسات التعليمية وكذلك زيادة الوعي المجتمعي.

اقرأ أيضا:
دليل الطالب النجيب.. للجامعات العربية بالترتيب
كيف تلحق إبنك بجامعة ألمانية.. في خطوات
المساهمون