لماذا يعدل قاضي القضاة!؟

25 يونيو 2015
+ الخط -
"أنت الذي تحكم بالعدل. لا.. لا.. إنما أنا أحكم بالقانون وأطبق القانون، هذا كل ما أصنعه". هذه الدعوة من أحد القضاة تحمل جانباً من الصواب وجانباً كبيراً من المخَاتلة.

إذ أن القانون نص، والنصوص جميعاً يحكمها التأويل والتفسير، وهنا تأتي عدالة القاضي.
القانون منتهى الحكم، أما ما يتوصل به إلى الحكم فليس من شأنه، وهنا تأتي عدالة القاضي. القانون مواد بسيطة، أما تركيبها وتعقيدها فهنا تأتي عدالة القاضي.
القانون جَلْمَدٌ صَخْر لا حُدُوس فيه، وهنا تأتي عدالة القاضي.


كان فيما مضى، يُبحث عن أورع الناس وأحكم الناس لينال منصب قاضي القضاة، لتتمثل فيه العدالة، فبه تقوم وبه تقعد، وكانت النصوص الدينية تتدخل لتجمح تحيزات القاضي وذاتيته، فتعميه عن شنآنه ليظل حاكماً بعدل، وتجعل ثلثيه في النار وثلثه في الجنة ليرهب الظلم، فالمستقر والمستودع في قلب القاضي، إن صَلُح صَلُحت أحكامه وإن فَسَد فسدت أحكامه، ولا يدفعه إلى العدل وتحري الحقيقة والحكم بها إلا ورعه الداخلي وواعزه الديني.

لكنَّ التمسك بهذا "الدافع إلى العدالة" ما هو إلا وثوق كبير بالنفس البشرية واستقامتها على الدوام، وهذا وثوق بغير موثوق، واعتصام بحبل مقطوع، فالتاريخ والطبيعة شهدا بما يخرج قلب القاضي عن قَسَمِه وورعه وتديُّنه، إن بالمال أو بالجاه أو بالجنس أو بالسوط.

لذا نحن بحاجة إلى أمر آخر غير قَسَم القاضي يمنعه عن إقامة الظلم وإزهاق الحق.. بحاجة إلى "عَيْن الرَّقيب" المجتمعية المتمثلة بالمؤسسات المدنية والإعلام الواعي الذي يحدق عن قرب بأحكام القضاة ويتربص بها، فإن حكم بشنآنه وتحيزه ومصلحته وما فيه تلاعب ودس وحيلة، رَصَدته "عين الرَّقيب" وأبدت الزاويا التي أُغفِلت بالحكم، وأجلبت في نزاهة الحكم والقاضي. فتكون هاتِه "العين" المجتمعية دافعاً للقضاة للعدل والحكم به، وأزعم أنه الدافع الأقوى والأفضل للإبقاء على استمرار إقامة العدل. ولكي تُنْتج هذه "العين" فلابد من توفر مقدمة ضرورية ألا وهي زوال الهالة المقدسة الملآنة بالنزاهة والورع التي حِيطَتْ بالقضاء والقضاة، وإلا فما نفع "العين" إن لم تؤمن بإمكان أن ترى أخطاءً وأقذاءً.

نحن بحاجة لهذه "العين" فلم يعد القضاء يَبْلُغ النزاهة والعدالة بورع قضاته ونزاهتهم وصفاء سريرتهم –وما كان ذلك من قبل إنما كانت الصيغة المتوفرة-، بل لابد من مجتمع يرصد ويرقب القضاء ويتربص به، منتظراً زلَّاته ومشهِّراً بظُلَامَاتِه، ليوجِدَ دافعاً خارجياً مجتمعياً يجعل القاضي يحك رأسه طول الليل خوفاً من أن يقع بظُلَامَةٍ في النهار خشيةً من المجتمع لا خشيةً من الله.

(الكويت)
المساهمون