ولا توجد إحصائية رسمية في دوائر نفوس العراق عن عدد المفقودين أو المغيبين، إلا أن مسؤولين ومنظمات مدنية قدروهم بعشرات الآلاف غالبيتهم فقدوا بين عامي 2006 و2009 وبين عامي 2014 و2017.
وبحسب مسؤول رفيع في دائرة النفوس العامة، فإنّ "سجلات النفوس تتعامل مع المفقودين والمغيبين كأحياء، إلّا في حال وصول شهادات وفاة من الجهات المسؤولة"، مبينا لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذا الملف حساس للغاية وخطير، ولا يسمح لأي أحد أن يجري إحصائية أو يبحث في تلك السجلات التي تضم المفقودين، خشية من استغلالها بقضايا تثير غضب الشارع وتهدد السلم المجتمعي، خاصة أن المختطفين والمغيبين وقعوا ضحية كونهم من لون أو طائفة معينة، وهناك مليشيات وقوى مشاركة بالعملية السياسية الحالية متهمة بالوقوف وراء اختفاء عدد غير قليل منهم، لذا فوزارة الداخلية تسعى لإبقاء الملف بعيدا عن لغة الأرقام والمناطق التي فقدوا فيها، وتمنح للعائلة حرية إقامة دعوى بالمحكمة لاعتبار المفقود متوفى من عدمه".
وتابع: "المعروف لدينا أنّ أعداد المفقودين عشرات الآلاف في عموم العراق، ونتعامل معهم كأحياء في دوائر النفوس حتى الآن. بعض الأهالي ممن توصلوا لمعلومات تفيد بوفاة ذويهم المفقودين أبلغونا رسميا بشهادات وفاة، واتخذنا الإجراءات اللازمة بذلك، وآخرون بدون دليل استسلموا لليأس أو طمعا براتب تعويضي شهري ضمن صنف عوائل الشهداء، والآخرون ما زالوا ينتظرون أي دليل على وفاة أبنائهم، لذا يرفضون الحصول على شهادات وفاة لهم".
وأكد، أنّ "فترة الفقد التي تتجاوز عشر سنوات من دون أي أخبار تكفي لأن تكون دليلا على وفاة المفقود".
مسؤولون أمنيون يضمون أصواتهم إلى ذوي المفقودين، مؤكدين أنّ "هناك الكثير ممن فقدوا ثمّ عادوا بعد سنوات طويلة من الفقد"، ووفقا لضابط برتبة مقدم بقيادة شرطة بغداد، فإنه "لا يمكن الجزم بأنّ كل من فقد وانقطعت أخباره يعدّ ميتا. الفترة التي عاشها العراق من الفوضى وخلط الأوراق تسببت بفقد الكثير، وهناك أعداد كثيرة من المفقودين هم بالأصل بالسجون الحكومية ولا يعلم أهلهم أماكنهم، فضلا عن وجود سجون سرية لفصائل مسلحة وجماعات إرهابية، تم إنقاذ عدد من المغيبين فيها". وشدّد على أن "هذا الملف يجب ألا يطوى، ويجب أن تشكل لجان تحقيقية خاصة لمتابعة المفقودين".
عضو منظمة الرافدين لحقوق الإنسان، علي السعدي، أوضح أن الملف أكبر من كونه اعتبار المفقود متوفى أو حيّا، فهناك زوجات معلقات لا هن أرامل ولا مطلقات ولا متزوجات وترغب كثيرات منهن في مواصلة حياتهن، أو حتى اعتبارها متضررة للحصول على تعويض، فأهل الزوج يرفضون اعتباره ميتا والزوجة في بيت أهلها تنتظر حسم مصيرها. وتابع السعدي لـ"العربي الجديد"، لعل ملف المفقودين أحد أكثر الملفات وجعا في العراق".
ذوو المفقودين، يؤكدون أنّهم يرفضون تسلم شهادات وفاتهم، ويأملون بعودة أبنائهم، ما داموا لم يحصلوا على أدلة موتهم. أبو عبد الرزاق، هو والد أحد المفقودين منذ العام 2008، فقدا ابنه الذي كان متجها إلى بغداد وهو يعمل في سيارة باص خاصة، أكد لـ"العربي الجديد"، "لم أفقد الأمل بعودة ولدي، ولا أحد يستطيع إجباري على الحصول على شهادة وفاة له. طوال هذه السنين وأنا أبحث عن دليل واحد على موته، ولم أحصل عليه. ولدي حيّ يرزق، وسيعود، لي ولعائلته وأطفاله".
وتساءل "كيف لي أن أحصل على شهادة وفاة وأقدمها لزوجة ولدي وأطفاله؟ كيف لي أن أواجههم بذلك وهم ينتظرون عودته كل يوم"، محملا الحكومات المتعاقبة "مسؤولية كل ذلك الفقد والعناء والحزن الذي خيّم على بيوتنا".
وشهد العراق في السنوات التي أعقبت العام 2003، حالة فوضى كبيرة تسببت بقتل وفقد آلاف العراقيين، الذين لا يعلم ذووهم مصيرهم حتى اليوم.